أثارت واقعة طريفة لكنها كاشفة جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية حين شبّه مذيع أمريكي الرئيس السابق دونالد ترامب بعبد الفتاح السيسي، وذلك في معرض انتقاده لطريقة إدارة ترامب للسلطة.
جاء التشبيه في إحدى حلقات البرامج الساخرة ذات الشعبية العالية في الولايات المتحدة، وما إن نطق المذيع باسم السيسي حتى انفجرت قاعة الجمهور بالضحك، في مشهد يُظهر كيف أصبح ذكر السيسي في الإعلام الغربي مقترناً بمعنى الحكم الاستبدادي.
خلفية المشهد
المذيع كان يتناول سلوكيات ترامب خلال فترة ولايته الأولى ومحاولاته المستمرة لتجاوز المؤسسات الدستورية وتهميش دور الكونغرس والإعلام، فقال ساخرًا: "إنه يتصرف كالسيسي في مصر، لا كرئيس منتخب في أمريكا".
هذه العبارة، رغم بساطتها، اختزلت صورة ذهنية مترسخة لدى الجمهور الأمريكي حول من هو السيسي وكيف يُدار الحكم في مصر، ويظهر بالبرنامج وصلة من الضحك على هذه النكتة الساخرة التي أطلقها المذيع .
حين يُستخدم اسم السيسي كأداة سخرية في الإعلام الأمريكي
البرامج السياسية الساخرة في الولايات المتحدة تحظى بمتابعة واسعة، بل أحياناً تكون أكثر تأثيراً من نشرات الأخبار التقليدية، لأنها تخاطب الجمهور بطريقة مباشرة وبعيدة عن اللغة الرسمية الجافة.
واستخدام اسم السيسي في هذا السياق لم يكن عابراً، بل كان إشارة واعية إلى أن نموذج الحكم في مصر يُقدَّم للرأي العام الأمريكي كأحد الأمثلة على "السلطوية الفجة" التي يجب التحذير منها.
ولهذا السبب كان رد فعل الجمهور سريعاً وعفوياً بالضحك، لأنه التقط الرسالة من دون الحاجة لشرح مطوّل.
دلالة الضحك الجماعي
الضحكات العالية لم تكن تعبيراً عن الدعابة فقط، بل عكست استيعاباً عاماً في الوعي الغربي بأن السيسي رمز لحاكم عسكري يسيطر على كل شيء. بالنسبة للمشاهد الغربي، ليس ضرورياً أن يعرف تفاصيل دقيقة عن الدستور المصري أو الانتخابات، بل يكفيه أن اسم السيسي صار مرادفاً للحكم الفردي والقبضة الأمنية.
هذا البعد الرمزي هو ما جعل المقارنة بين ترامب والسيسي تلقائية ومضحكة، لأنها تضع الرئيس الأمريكي السابق في خانة الزعيم السلطوي الذي لا يعرف حدوداً للسلطة.
صورة مصر في الإعلام الغربي
منذ انقلاب السيسي في 2013، ارتبط اسمه في معظم التغطيات الغربية بقمع المعارضة، وتقييد الحريات، وملف حقوق الإنسان. تقارير المنظمات الدولية، والمقالات الافتتاحية في كبريات الصحف، ساهمت في ترسيخ هذه الصورة. وبالتالي حين يستخدم إعلامي أمريكي اسمه في سياق ساخر، فإنه يعتمد على هذه الصورة المسبقة التي يعرف أنها حاضرة في ذهن الجمهور. وهنا تتجلى خطورة الأمر: فحتى لو أرادت الدولة المصرية تحسين صورتها عبر حملات إعلامية أو دبلوماسية، فإن الاستبداد الملموس على الأرض يظل أقوى من أي دعاية رسمية.
ترامب والسيسي… علاقة قديمة
المفارقة أن ترامب نفسه سبق أن وصف السيسي بأنه "ديكتاتوره المفضل"، وذلك على هامش قمة السبع عام 2019، ما أثار حينها موجة انتقادات لاذعة داخل أمريكا. هذا التصريح الشهير جعل الربط بين الرجلين أكثر سهولة في الخطاب الإعلامي. فترامب، الذي عُرف باندفاعه وخطابه الشعبوي ورغبته في تهميش المؤسسات، وجد في شخصية السيسي ما يشبه "النموذج الملهم" للحاكم الذي لا يلتزم بالقيود.
انعكاسات الواقعة
استخدام اسم السيسي في خطاب ساخر داخل الولايات المتحدة يحمل عدة رسائل. أولها أن صورة السيسي باتت رمزاً سلبياً خارج حدود بلده، بحيث تُستحضر للدلالة على الحكم السلطوي. ثانيها أن هذه الصورة لم تعد محصورة في أوساط النخب السياسية أو الحقوقية، بل وصلت إلى جمهور عريض يشاهد برامج ترفيهية – سياسية. ثالثها أن هذه السخرية تضع مصر في موضع حرج، لأن اسم رئيسها صار مادة للضحك في قاعات غربية، لا رمزاً لهيبة أو احترام.
الخلاصة أن الواقعة قد تبدو للبعض مجرد نكتة عابرة، لكنها في جوهرها مؤشر على مكانة السيسي في المخيال السياسي الغربي. حين يصبح اسمه أداة سخرية لإدانة رئيس أمريكي سابق، فهذا يعني أن النظام الذي يقوده بات نموذجاً يضرب به المثل في السلطوية، وأن محاولات تجميل صورته في الخارج لم تفلح. أما بالنسبة لترامب، فإن التشبيه يعكس كيف يُنظر إليه داخلياً كزعيم يميل إلى تقليد أنماط الحكم غير الديمقراطية. وفي النهاية، فإن ضحك الجمهور لم يكن على نكتة فقط، بل على حقيقة سياسية يعرفها جيداً: أن السيسي رمزٌ للحاكم الذي يختزل الدولة في شخصه.