شهد قطاع غزة يومًا دامياً جديدًا، أمس السبت ، بعد أن ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة من الغارات الجوية والمدفعية أسفرت عن مجازر مروّعة بحق المدنيين. فقد أكدت مصادر طبية بوزارة الصحة في غزة وصول 110 ضحايا إلى المستشفيات، بينهم 91 في مدينة غزة وحدها، فيما لا يزال أكثر من 30 شخصًا في عداد المفقودين تحت أنقاض المنازل المدمرة. هذه التطورات تأتي وسط استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية الكثيفة، التي لم تميّز بين مناطق سكنية أو "مناطق آمنة"، بحسب شهادات شهود عيان.
تصعيد دموي في مدينة غزة
المجزرة الأكبر وقعت في قلب مدينة غزة، حيث استهدفت طائرات الاحتلال عدة أحياء سكنية مكتظة. الأرقام الواردة من وزارة الصحة تؤكد أن 91 من الشهداء سقطوا هناك وحدها، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى عشرات المصابين الذين تدفقت بهم المستشفيات المنهكة أصلًا. فرق الدفاع المدني تحدثت عن صعوبة انتشال الضحايا من تحت الركام بسبب استمرار القصف ونقص المعدات اللازمة، ما يرفع احتمالات وجود المزيد من الجثث العالقة تحت أنقاض المنازل. المحلل الفلسطيني عدنان أبو عامر يرى أن هذا التصعيد يعكس نية إسرائيلية واضحة في استخدام "القوة المفرطة" لفرض واقع سياسي بالقوة العسكرية، دون اكتراث بالتكلفة الإنسانية.
شهادات ميدانية عن الفقدان والدمار
شهود عيان رووا مشاهد صادمة من داخل الأحياء المستهدفة، حيث تحوّلت شوارع بأكملها إلى ركام. عائلات بأكملها أُبيدت في لحظات، بينما تصاعدت صرخات الأطفال بين الأنقاض. أحد الأطباء في مستشفى الشفاء أكد أن غالبية الضحايا وصلوا في حالة "تفحم أو أشلاء"، ما صعّب من مهمة التعرف على هوياتهم. الناشط الحقوقي رامي عبده شدد على أن هذه الهجمات ترقى إلى جرائم حرب مكتملة الأركان، داعيًا المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري لوقف "المجزرة المستمرة".
"صورة وداع" من حماس
في موازاة ذلك، نشرت حركة حماس ما سمّته "صورة وداع" لـ47 محتجزًا إسرائيليًا لديها في قطاع غزة. الصورة التي جرى تداولها على نطاق واسع في الإعلام العبري أثارت جدلاً كبيرًا، حيث وصفتها عائلات الأسرى بأنها رسالة تهديد تعكس خطورة أوضاع أبنائهم. مراقبون رأوا أن نشر الصورة يأتي في إطار الضغط السياسي والإعلامي على حكومة بنيامين نتنياهو التي تواجه أزمة داخلية خانقة بسبب عجزها عن استعادة المحتجزين أو التوصل إلى اتفاق تبادل. المحلل السياسي ياسر الزعاترة اعتبر أن الخطوة من حماس رسالة واضحة بأن "الخيار العسكري لن يعيد الأسرى"، وأن الحل يمر فقط عبر صفقة سياسية شاملة.
أزمة إنسانية متفاقمة
مع تزايد أعداد الضحايا والمصابين، دخلت المستشفيات في غزة مرحلة الانهيار الكامل. الأطباء أكدوا أن غرف العمليات ممتلئة، والمولدات الكهربائية بالكاد تعمل بسبب نقص الوقود، فيما تنفد الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية. منظمة الصحة العالمية حذّرت من "كارثة إنسانية لا مثيل لها" إذا لم يتم إدخال مساعدات عاجلة. الباحث الفلسطيني حيدر عيد أشار إلى أن ما يحدث ليس مجرد تبعات حرب، بل سياسة ممنهجة تهدف إلى "تدمير مقومات الحياة في غزة، وإجبار السكان على الاستسلام أو التهجير".
المواقف الدولية والضغط المتزايد
ردود الفعل الدولية ما تزال تراوح مكانها بين بيانات إدانة عامة ومطالب بوقف إطلاق النار. فرنسا والمملكة المتحدة كررتا دعوتهما إلى هدنة إنسانية عاجلة، فيما اكتفى البيت الأبيض بالتأكيد على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، رغم الانتقادات المتصاعدة من داخل الكونغرس. الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قال إن "ما يجري في غزة تخطى كل الخطوط الحمراء الإنسانية"، مؤكدًا أن وقف إطلاق النار الفوري هو السبيل الوحيد لتجنّب كارثة أكبر.
مستقبل الصراع في ظل التصعيد
في ظل المجازر المتكررة، يرى محللون أن إسرائيل تحاول كسب أوراق ضغط عبر مضاعفة التكلفة الإنسانية، بينما تسعى حماس لإبقاء ورقة الأسرى حيّة في المعادلة السياسية. المحلل مروان بشارة يؤكد أن استمرار هذا النمط من العنف لن يقود إلا إلى مزيد من التطرف وانسداد الأفق السياسي، داعيًا إلى تدخل دولي جاد يفرض وقف العدوان والعودة إلى مسار سياسي حقيقي.