منذ فجر اليوم الخميس، تواصل القصف الإسرائيلي على مناطق متعددة في قطاع غزة بالتزامن مع الأنباء عن الاتفاق على “المرحلة الأولى” من وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، ما حوّل الفرح الفلسطيني إلى قلقٍ وحذرٍ وسط دوي انفجارات كثيفة وتعطّل شبه كامل للحركة الإنسانية قبل دخول أي ترتيبات رسمية حيز التنفيذ.

فبينما استبشر المواطنون ليلًا ببوادر اتفاق التهدئة، تحوّل الصباح إلى مشهد ميداني مأساوي، مع تصاعد أعمدة الدخان في أحياء مكتظة، وعودة الطائرات والمدفعية لتضرب مواقع مدنية شمالًا ووسط القطاع، في وقت لم يُفعَّل فيه وقف النار رسميًا بعد.


 

 

عشرات الشهداء ومئات الجرحى منذ فجر اليوم
بحسب تغطيات ميدانية وشهود عيان، استُشهد عشرات الفلسطينيين وأُصيب المئات منذ ساعات الفجر الأولى، نتيجة القصف الجوي والمدفعي الذي استهدف أطراف مدينة غزة وممرات مدنية في وسط القطاع.
وأكدت فرق الإسعاف والدفاع المدني أن سياراتها واجهت صعوبات بالغة في الوصول إلى مواقع الضربات بسبب استمرار النيران وتحليق الطائرات المسيّرة، فيما نقلت الإصابات الحرجة والمتوسطة إلى المستشفيات العاملة تحت ضغط غير مسبوق.
المصادر الطبية داخل المستشفيات تحدثت عن ارتفاع مطّرد في أعداد الجرحى مع كل ساعة، مع استمرار توافد المصابين من مختلف أنحاء القطاع، خصوصًا من مناطق الشمال والوسط، حيث تركز القصف فجرًا.

 

 

مواقع الضربات وأهدافها
تركز القصف الإسرائيلي على ثلاثة محاور رئيسية:
مدينة غزة: شهدت ضربات فجريّة عنيفة على أطراف الأحياء السكنية، تسببت في انهيارات جزئية للمباني وسقوط شهداء من المدنيين، بينهم نساء وأطفال.
وسط القطاع (دير البلح والمغازي): استُهدفت طرق مدنية وممرات إنسانية قريبة من مخيمات النزوح ومراكز توزيع الخدمات، ما أدى إلى تعطيل حركة سيارات الإغاثة وتأخير عمليات الإخلاء.
جنوب القطاع (خانيونس): سجلت ضربات محدودة مقارنة بالشمال، لكنها زادت من حالة الارتباك الإنساني والطبي، مع تضرر ممرات كانت معدّة لاستقبال المساعدات ضمن ترتيبات وقف إطلاق النار.
 

المستشفيات تحت الإنهاك الكامل
تشهد المستشفيات في غزة منذ الفجر حالة طوارئ شاملة نتيجة تدفق أعداد كبيرة من المصابين.
مجمّع الشفاء الطبي في مدينة غزة استقبل القسم الأكبر من الإصابات، بينها حالات بتر وصدمات دماغية، في ظل نقص حاد في الأدوية والطاقة.
مستشفى الأهلي والمعمداني استقبلا عشرات الجرحى من الأحياء الشرقية، وسط ضغط كبير على غرف العمليات والإسعاف.
مستشفى الأقصى بدير البلح شهد اكتظاظًا كبيرًا بالحالات القادمة من محاور الوسط، مع نداءات عاجلة لرفد المستشفى بالوقود والمستلزمات الجراحية.
مستشفى ناصر في خانيونس استقبل مصابين نُقلوا من الشمال بعد انقطاع الطرق المباشرة بسبب القصف، فيما وُضعت فرق الطوارئ في أقصى درجات الاستعداد.

 

“الفرحة المقتولة” في غزة
كانت ساعات مساء الأربعاء قد شهدت احتفالات عفوية في شوارع غزة عقب الإعلان عن الاتفاق على “المرحلة الأولى” من وقف إطلاق النار، حيث خرج الأهالي يرفعون الأعلام ويطلقون الهتافات أملاً بانتهاء الكارثة الممتدة منذ أكثر من عامين.
لكن مع حلول فجر اليوم، تبددت هذه الفرحة سريعًا، إذ لم تحدد الأطراف ساعة دقيقة لدخول الاتفاق حيز التنفيذ، ما سمح لإسرائيل بمواصلة قصفها، لتتحول لحظات الفرح إلى حزنٍ وغضبٍ شعبيٍّ واسع.

وقال أحد شهود العيان من حي الزيتون: "كنا ننتظر الصباح لنسمع خبر توقف النار، لكننا استيقظنا على أصوات الصواريخ. الفرح مات قبل أن يولد."
 

ضغط إنساني وطبي غير مسبوق
منظمات الإغاثة العاملة في غزة حذرت من كارثة إنسانية جديدة إذا استمر القصف خلال الساعات المقبلة، مشيرةً إلى أن مئات العائلات نزحت مجددًا نحو مدارس وملاجئ مؤقتة بعد أن كانت تستعد للعودة إلى منازلها.
وتشير بيانات أولية صادرة عن المؤسسات الصحية إلى أن عدد الشهداء ارتفع إلى عشرات والمصابين إلى مئات المدنيين، غالبيتهم من الأطفال والنساء، فيما يواصل الطاقم الطبي عمله بأدوات محدودة داخل مستشفيات شبه مدمرة.
 

استمرار القصف رغم الاتفاق
رغم تأكيد المصادر السياسية والإعلامية أن الاتفاق على وقف إطلاق النار تم التوصل إليه فعليًا، إلا أن تأخر المصادقة الرسمية والجدولة الزمنية للتنفيذ أتاح لإسرائيل الاستمرار في ما تسميه “الضغط الأخير” قبل التهدئة.
هذا “الضغط” حوّل الساعات التي سبقت دخول الاتفاق المفترض إلى واحدة من أكثر الفترات دموية منذ أسابيع، وفق وصف متطابق من المراسلين الميدانيين في غزة.
 

خلاصة اليوم حتى الظهر
حتى ساعات الظهيرة، كانت الحصيلة المؤكدة تشير إلى استشهاد العشرات وإصابة المئات جراء القصف الإسرائيلي المتواصل على مدينة غزة ووسط القطاع، مع استمرار التحليق والقصف المتقطع.

وفيما ينتظر الغزيون دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ رسميًا خلال الساعات القادمة، يبقى المشهد الإنساني على حاله: أشلاء تحت الركام، ومستشفيات تختنق بالجرحى، ومدينة تمزقها القنابل في لحظة كانت تنتظر فيها السلام.