تعد مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك بالأقصر واحدة من أبرز الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين، إذ اكتشفها عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر في 4 نوفمبر 1922.
تحتوي المقبرة على أربع غرف رئيسة تضم التوابيت والأثاث الملكي، بالإضافة إلى أكثر من 5 آلاف قطعة أثرية، من بينها القناع الذهبي الشهير والتماثيل المذهبة، ما يمنحها قيمة تاريخية وثقافية استثنائية.
ورغم ذلك، تواجه المقبرة تهديدات خطيرة نتيجة طبيعة الصخور الطينية المعروفة باسم صخور الإسناشيل، وتعرضها للرطوبة والسيول، ما يزيد من مخاطر الانهيار والتدهور الفني.
التحديات الحالية للمقبرة
رصد الدكتور سيد حميدة في دراسة حديثة نُشرت في (مايو 2025) انخفاض عوامل الأمان الإنشائي لسقف المقبرة، مشيرًا إلى أن فيضان عام 1994 كان العامل الأكثر خطورة، إذ أدى إلى تسرب المياه داخل المقبرة وارتفاع مستويات الرطوبة، ما ساعد على نمو الفطريات التي أضرت بالجداريات والألوان.
وأضاف أن الصدع الكبير الذي يمر بسقف غرفة الدفن والمدخل سمح بتسرب مياه الأمطار وزاد التشققات، مما يضع السقف تحت ضغوط تفوق قدرة صخور الإسناشيل على التحمل.
كما أشار أستاذ الترميم المعماري في كلية الآثار بجامعة القاهرة، محمد عطية هواش، إلى أن معظم مقابر وادي الملوك منحوتة في عمق الصخر، ما يجعلها عرضة للسيول المفاجئة التي تتسبب في فجوات تؤدي إلى تلف الجداريات، وأن كثرة الشقوق والفواصل تهدد بانفصال كتل صخرية قد تؤدي إلى تدمير المقابر المجاورة.
بدوره، أكد الخبير الدولي في الترميم الأثري، حجاج إبراهيم، على أن المياه الجوفية تؤثر بشكل مباشر على استقرار المقبرة، وأن الحل يكمن في الترميم الدقيق باستخدام تقنيات علمية دقيقة، كما حدث في ترميم مواقع أثرية أخرى.
وأشار عضو "اتحاد الأثريين المصريين"، عماد مهدي، إلى أن التغيرات المناخية وزيادة مستويات المياه الجوفية تشكل تهديدًا مستمرًا لمقبرة توت عنخ آمون، مطالبًا بتشكيل لجنة عاجلة تضم خبراء أكاديميين لمتابعة الحالة الجيولوجية والأثرية للمقبرة، وإصدار تقارير دورية تحدد أساليب التدخل والصيانة.
كما شدد العميد السابق لكلية الآثار بجامعة القاهرة، محمد حمزة الحداد، على ضرورة إعداد خرائط شاملة لرصد الأخطار في وادي الملوك، وترتيبها بحسب الأولوية والخطورة، مع الاستعانة بلجان محايدة من خبراء الجامعات بعيدًا عن الشركات غير المتخصصة، محذرًا من أن المقبرة مهددة بالانهيار بسبب صدوع كبيرة ورطوبة تؤثر مباشرة في النقوش الجدارية.
أهمية إدارة المخاطر
أجمع الخبراء على أن الحل العملي يكمن في إنشاء إدارة متخصصة لرصد الأخطار في وادي الملوك، تضم أكاديميين وخبراء ترميم ومختصين في الجيولوجيا، تصدر بيانات دورية موثوقة، وتستخدم تقنيات حديثة مثل أجهزة الاستشعار لقياس الرطوبة والكشف عن تسرب المياه ورصد التشققات.
ويشمل ذلك تقليل الأحمال المحيطة بالمقبرة، وإنشاء تدعيمات داخلية قابلة للفك والتركيب، لموازنة حماية البناء الأصلي مع الحفاظ على الطبيعة التاريخية للموقع.
وتمثل مقبرة توت عنخ آمون حالة إنذار لما تواجهه مقابر وادي الملوك من مخاطر طبيعية وجيولوجية مستمرة.
ويؤكد الخبراء، بمن فيهم حميدة، هواش، إبراهيم، مهدي، والحداد، أن الوقاية العلمية المستمرة، والاستفادة من التقنيات الحديثة، وإنشاء إدارة متخصصة لرصد الأخطار، هي الحلول العملية للحفاظ على هذا التراث العالمي.
ويشكل تنفيذ خطط وقائية عاجلة ودقيقة شرطًا أساسيًا لإنقاذ المقبرة وضمان استدامتها للأجيال القادمة، بعيدًا عن الانتظار حتى وقوع الكارثة.