أعلن صندوق التنمية الحضرية التابع لمجلس الوزراء عزمه تطوير عدد من الأراضي في منطقة الدلتا، من بينها قطعتان في مدينتي طنطا والمنصورة كانتا في السابق سجوناً مركزية.
ووفقاً للمصدر الرسمي، فإن الخطة تتضمن تحويل هذه الأراضي إلى مبانٍ سكنية وتجارية ضمن مشروعات "التنمية الحضرية" التي تسعى الحكومة للتوسع فيها خلال السنوات الأخيرة.
 

إشكالية الأولويات
يرى خبراء أن قرار تحويل أراضي السجون إلى مشروعات عقارية يكشف عن اختلال في أولويات الدولة.

ويقول الدكتور خالد أبو يوسف، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، إن "التركيز المفرط على التوسع في العقارات يأتي في وقت يواجه فيه المواطن أزمات معيشية غير مسبوقة، مثل التضخم وارتفاع أسعار الغذاء. بينما كان الأجدر بالحكومة أن توجه هذه الأراضي لمشروعات إنتاجية تخلق وظائف وتخفف العبء عن الأسر".
 

غياب الشفافية
من أبرز الانتقادات الموجهة للمشروع غياب أي تفاصيل واضحة عن طبيعة هذه الوحدات أو المستفيدين منها. ويوضح الخبير الاقتصادي أحمد ذكرالله أن "المخاوف كبيرة من أن تتحول هذه الأراضي إلى مجمعات مغلقة (كومباوندات) مخصصة للفئات العليا فقط، وهو ما يعمّق الفجوة الطبقية بدلاً من سد العجز في الإسكان الاجتماعي".
 

إرث السجون
تكتسب الأراضي المطروحة بعداً رمزياً كونها كانت مواقع لسجون ارتبطت في الذاكرة الجمعية بالاحتجاز والمعاناة. ويشير الباحث في السياسات العامة زياد بهاء الدين إلى أن "تحويل هذه المساحات إلى مراكز تجارية أو عقارية فاخرة دون أي نقاش عام هو بمثابة طمس للتاريخ. كان يمكن تحويلها إلى متاحف أو مراكز توثيق توضح تجربة السجون في مصر، كما فعلت دول عديدة".
 

التأثير العمراني والمجتمعي
تُعد طنطا والمنصورة من أكثر مدن الدلتا ازدحاماً سكانياً، وهو ما يجعل أي إضافة عمرانية جديدة عاملاً يزيد الضغط على المرافق. ويرى المهندس والخبير العمراني ممدوح حمزة أن "زيادة الكثافة العمرانية في هذه المناطق دون تطوير موازٍ للبنية التحتية في النقل والصحة والتعليم سيخلق أزمات مضاعفة، بدل أن يكون المشروع أداة للتنمية الحقيقية".
 

المنظور الاقتصادي
تعتمد الحكومة بشكل متزايد على الاستثمار العقاري كمصدر عوائد مالية سريعة. ويؤكد الخبير الاقتصادي هشام توفيق، وزير قطاع الأعمال الأسبق، أن "الاعتماد المفرط على بيع الأراضي وتحويلها لمشروعات عقارية لا يحل الأزمة الاقتصادية، بل يزيدها سوءاً لأنه لا يخلق قيمة إنتاجية. الاقتصاد يحتاج إلى صناعة وزراعة قوية، لا مجرد عقارات".
 

بدائل مغيبة
يتساءل كثيرون عن البدائل التي كان يمكن أن تحقق منفعة اجتماعية أوسع. ويقول الدكتور إبراهيم عوض، أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إن "أفضل استغلال لهذه الأراضي كان يمكن أن يكون في بناء مستشفيات أو جامعات أو حدائق عامة. هذه الاستخدامات تخدم الطبقة الوسطى والفقيرة، بينما التركيز على العقار وحده يخدم فئة صغيرة من المستثمرين والمقتدرين".
 

ردود فعل محتملة
من المتوقع أن يثير المشروع ردود فعل ناقدة من خبراء التخطيط العمراني ومن الشارع المحلي. ويرى الخبير الاقتصادي رمزي زكي أن "المواطن البسيط بات يشعر أنه خارج المعادلة تماماً. هذه المشروعات لن توفر سكناً ميسور التكلفة، بل ستزيد من أسعار الأراضي والعقارات المحيطة. النتيجة ستكون مزيداً من التهميش للفئات الأضعف".
 

خلاصة نقدية
في النهاية، يعكس هذا المشروع سياسة حكومية أوسع تعتمد على الاستثمار العقاري كخيار شبه وحيد للتنمية، بينما يتم تجاهل الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية الحقيقية.

تحويل أراضي السجون في طنطا والمنصورة إلى مشروعات عقارية وتجارية قد يجلب عوائد مالية قصيرة المدى، لكنه يثير أسئلة صعبة حول غياب الرؤية الشاملة للتنمية، وحول أولويات الحكومة: هل هي خدمة المواطنين فعلاً أم البحث عن موارد مالية سريعة عبر بيع الأراضي وإعادة تدويرها؟