أعلنت وزارة النقل رسمياً أن حركة الطريق الإقليمي ستُفتح جزئياً بدءاً من اليوم السبت بعد انتهاء المرحلة الأولى من تطويره، مع توجيه فتح الاتجاه القادم من عدة طرق في اتجاه طريق السويس الصحراوي، وذلك في بيان نُشر صباح 19 سبتمبر 2025، هدف الإعلان الرسمي هو التخفيف عن الحركة المرورية مع بداية العام الدراسي الجديد، بحسب كلمات الوزير.
 

إجراءات ترصٌّد السائقين
أعلنت الوزارة أيضاً استمرار التنسيق مع وزارة الداخلية لإجراء تحليل عشوائي لكل سائقي الشاحنات والميكروباصات في هذا الطريق وكافة طرق الجمهورية، كأحد تدابير الحدّ من الحوادث المروعة.

قرار يبدو عمليا على الورق، لكنه يطرح أسئلة حول الاستمرارية، نطاق التطبيق، ومتى تتحول العشوائية إلى رقابة منهجية فعّالة، ساعات فحص، نتائج، إجراءات ضد المخالفين.
 

الحوادث المستمرة على الطريق.. أرقام وإحصائيات
تبقى الحوادث المروعة مأساوية ومتكررة على الطريق الإقليمي، الذي بات يُسمى "طريق الموت" لكثرة الحوادث القاتلة.

ففي الأشهر الستة الأولى من 2025 فقط، سجل الطريق 24 حادثاً أسفر عن 24 وفاة وأكثر من 70 إصابة.
وفي يونيو، شهد الطريق حادثاً مؤسفاً أدى إلى مقتل 19 شخصاً، بينهم 18 فتاة، في حادث "فتيات العنب" الصادم، بينما حادث آخر في يوليو أسفر عن 10 قتلى و12 مصاباً نتيجة تصادم ميكروباص مع سيارة نقل ثقيلة بسبب السرعة الزائدة والتجاوزات غير الآمنة، وهي الأسباب التي تتكرر في معظم الحوادث.

تظهر البيانات الرسمية أن 95% من حوادث الطرق في مصر سببها الخطأ البشري وسلوكيات القيادة السيئة، إضافة إلى ضعف صيانة المركبات والتجاوزات الخطرة، مما يشير إلى أن تحسين البنية التحتية وحده لن يحل المشكلة دون رقابة وأمن صارمين وجانب تعليمي مركّز.

الأرقام الرسمية وغير الرسمية التي سجّلتها مواقع رصد الحوادث تُظهر صورة قاتمة؛ خلال النصف الأول من عام 2025 رصدت تقارير محلية عشرات الحوادث على الطريق الإقليمي وأطرافه، ففي الفترة من 1 يناير إلى 30 يونيو 2025 سجّل الطريق الإقليمي 35 حادثة مروِّعة أسفرت عن 61 قتيلاً و225 مصاباً على الأقل.
بينما رصدت تقارير أخرى حوادث متفرقة أودت بحياة عشرات آخرين خلال الأشهر التي تلتها، بما في ذلك حادث أشمون في 27 يونيو 2025 الذي راح ضحيته عشرات الضحايا.

هذه الأرقام تعطّل أي ادعاء بأن مجرد فتح جزئي أو تحاليل عشوائية كافية للقضاء على المشكلة.
 

لماذا لا تنجح الإجراءات الحكومية؟
تتكرر الحوادث رغم الإنفاق الكبير على تطوير الطرق، حيث استثمرت الدولة أكثر من 500 مليار جنيه في السنوات الماضية في شبكة الطرق والمحاور القومية، إلا أن مصادر رسمية تؤكد أن الحوادث يعود أكثرها إلى العامل البشري وعدم الالتزام بإرشادات الأمان ومخالفات سلوك القيادة، مع ضعف انضباط المرور وعدم كفاية الرقابة الأمنية.
 

لماذا لا تكفي الإجراءات الحالية؟

  1. بنية تحتية متدهورة: الحوادث المتكررة تشير إلى أن التطوير المرحلة الأولى لم يعالج جذور التصميم الهندسي الطارئ، تحويلات غير آمنة، تجاهل حواجز الحماية، إنارة سيئة، بل اكتفى بتحسينات سطحية.
  2. تطبيق القانون غير فعال: رقابة المرور والعقوبات على المخالفات المرورية لا تظهر كعامل رادع مستمر؛ الفحص العشوائي قد يربك لكنه لا يوفر رادعاً تشريعياً ولا نظام متابعة للمتكرّرين.
  3. سلوك السائق ونظام النقل: الشاحنات والميكروباصات العاملة على الطرق القومية غالباً ما تعمل في ظروف ضغط زمني ومالية تدفع للسلوك الخطِر، إجهاد السائقين، الحمولة الزائدة، والإجراءات التقنية وحدها لا تقضي على هذه الدوافع.
  4. ثقافة الصيانة والمسؤولية: صيانة يومية مستمرة كما يعلن الوزير، ممتازة نظرياً، لكن التنفيذ يتطلب ميزانيات، رقابة شفافة، ومحاكمات إدارية عند التقصير، ومن غير الواضح أن هذه العناصر متوفرة فعلاً.

 

تصريحات كامل الوزير.. وعود أم تبريرات؟
كامل الوزير؛ نائب رئيس الوزراء ووزير النقل والصناعة بحكومة الانقلاب، ظهر متكرراً في وسائل الإعلام مبرِّراً حاجة الوزارة إلى تمويل خارجي لمشاريع النقل الكبرى، مشيراً إلى أن القروض التنموية متاحة بفوائد منخفضة، ادعاء الفائدة بـ0.1–0.15%، وتقديمها كفرصة لا يمكن رفضها.

هذه التصريحات واجهت نقداً واسعاً من محلّلين اقتصادين وإعلام مستقلّ، الذين يشيرون إلى أن فوائد بعض القروض الفعلية أعلى من ذلك، وأن تراكم الدين العام يجب أن يقترن ببرامج واضحة للسلامة وليس فقط بالبنى التحتية الباهظة الثمن.
 

الربط بين القروض والأولويات.. أين السلامة في المعادلة؟
المنطق الذي تتبناه الوزارة؛ استدانة لتمويل مشاريع كبري ثم حل مشاكل المرور، يقابله سؤال بسيط: لماذا يُنفق مليارات على مشاريع مبهرة في حين أن إجراءات السلامة الأساسية كحواجز، إنارة، نقاط إسعاف، تدريب سائقين، آليات رقابة مرورية مستمرة، تحتاج تمويلاً أقل نسبياً لكن تنفيذاً مؤسساتياً مختلفاً؟ الانتقائية في صرف الأموال تفتح المجال للاتهامات بأن الدولة تمنح الأولوية للإنجازات الإعلامية على حساب حياة المواطنين.
 

إجراءات شكلية أم تغيير فعلي؟
نائب برلماني عن محافظة المنوفية رَدّ بطلب إحاطة مطالباً بإجراءات عاجلة قبل إعادة الفتح، مشيراً إلى تكرار الحوادث التي تُحمّل وزارة النقل مسؤولية الإنشاء والصيانة.

الشارع بدوره غاضب؛ عائلات الضحايا والناشطون يرفضون أن تكون حلول الوزارة تجميلاً مؤقتاً دون مساءلة حقيقية.

هذه الضغوط قد تدفع لتصعيد مطالب حماية حياة المواطنين بدل التصفيق لمشروعات القطار والعقود الضخمة.
 

المطلوب خطة وطنية متكاملة
فتح الطريق الإقليمي جزئياً وإجراء تحليل عشوائي للسائقين خطوات مرحلية قد تخفف ضغط الحركة لكنها لن تقضي على وباء الحوادث ما لم يرافقها:

  • خطة سلامة وطنية محددة زمنياً
  • شفافية في عقود القروض وصرفها
  • رقابة مرورية منهجية
  • محاسبة المقصرين
  • استثمار حقيقي في تدريب وتأهيل سائقي الشاحنات والميكروباصات

دون ذلك ستبقى الأرواح ثمن مشاريع يُفتتح نصفها إعلامياً بينما تبقى حياة الناس الحلقة الأضعف في معادلة الأولويات