تزايدت في الآونة الأخيرة جهود وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية بحكومة الانقلاب لاستكشاف وتحديث قاعدة بيانات الإمكانات التعدينية في البلاد، وذلك عبر التعاون مع شركات متخصصة في المسح الجوي للمناطق المعدنية، وعلى رأسها الشركة الإسبانية "إكس كاليبر".
لكن هذه الخطوة أثارت تساؤلات وتحفظات حول أهداف نظام الانقلاب الحاكم بقيادة عبد الفتاح السيسي، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المواطنون، والتاريخ الحافل بتبديد ثروات مصر الطبيعية.
في الأول من أغسطس 2025 انعقدت في مقر وزارة البترول والثروة المعدنية بمجمع حكومة الانقلاب المصرية بمدينة العلمين لقاء موسع حضره وزير البترول والثروة المعدنية كريم بدوي وممثّلون عن عدة شركات متخصّصة في المسوحات الجوية والزلازلية، من بينها شركة إسبانية تُعرَف تجارياً باسم Xcalibur / Xcalibur Smart Mapping.
الاجتماع بحث إمكانيات تنفيذ مشروع مسح جوي وخلق قاعدة بيانات جيولوجية وطنية شاملة لموارد مصر المعدنية بهدف جذب استثمارات خارجية في قطاع التعدين.
الشركة الإسبانية "إكس كاليبر" وتاريخها
تأسست "إكس كاليبر سمارت مابينغ" في مدريد عام 1962، وهي شركة خاصة تضم أكثر من 400 موظف وتتمتع بحضور عالمي في ست قارات مع أكثر من 1400 مشروع منفذ، ولها عملاء كبار في قطاع التعدين والطاقة مثل شل وريبسول وإكسون موبيل.
تقدم الشركة حلولاً لتقييم الموارد الطبيعية المتجددة وغير المتجددة، وتسعى لتسريع الانتقال للطاقة النظيفة عبر استكشاف المعادن الحيوية.
الشركة المسماة Xcalibur Smart Mapping تُعرّف نفسها كمزوّد عالمي لحلول المسح الجوي والجيولوجي: أسطول طائرات يتجاوز الـ40 طائرة، ومئات إن لم تكن آلاف المشاريع حول العالم، وتقدّم تقنيات مثل القياسات المغناطيسية والإشعاعية الجوية والقياسات الكهرومغناطيسية لقياس ما تحت سطح الأرض بسرعة وعلى نطاق واسع.
أعمالها رُوّجت كمحفز لجذب طلبات امتياز واستثمارات لاكتشاف المعادن والنفط وحتى مصادر طاقة متجددة في دول عدة.
أمثلة عملية تروّج لها الشركة تُشير إلى أن مسوحاتها أدّت إلى زيادة طلبات التراخيص والاكتشافات في بلدان مثل بابوا غينيا الجديدة.
لماذا يثير هذا القلق؟!
بحسب بيان وزارة البترول في 1 أغسطس 2025، تهدف الاجتماعات إلى آلية تنفيذ مشروع وطني لتأسيس قاعدة بيانات جيولوجية، تغطي أراضي مصر لتسهيل وصول الشركات الوطنية والدولية إلى فرص الاستثمار في التعدين، وتقليل مخاطر الحفر الاستكشافي، الوزارة عرضت المشروع كخطوة تقنية لرفع جاذبية الاستثمار وتعجيل عملية الاستكشاف.
النقطة الأساسية في القلق ليست التقنية فقط، بل السياق السياسي والاقتصادي؛ منذ سنوات تزايد دور الشركات والمشروعات المرتبطة بالدولة والجيش في إدارة موارد مصر الاقتصادية، ومعَ ضغط صندوق النقد الدولي لعمليات خصخصة وبيع حصص في شركات مملوكة للدولة أو عسكرية، تبدو خطوة فتح بيانات الموارد المعدنية واستدعاء شركات أجنبية لعمل مسوحات متسارعة كمدخل لطرح أصول أو منح امتيازات قد تُفضي إلى فقدان سيطرة الدولة على موارد استراتيجية.
شكوك حول "أرض محروقة" بعد السيسي
تتعلق المخاوف الكبيرة بأن النظام الحاكم يتعامل مع ثروات البلاد المعدنية كمصدر للتمويل السريع على حساب التنمية المستدامة وسيادة مصر الطبيعية، وتنتشر توقعات غير مؤكدة بأن السيسي ينوي إفراغ البلاد من كل ما لها من معادن واستثماريات طبيعية قبل مغادرته للسلطة، مخلفًا "أرضًا محروقة" بلا زرع أو ماء أو حياة، حسب تعبير منتقدين حاليين.
هذه المخاوف تستند إلى عدة وقائع، منها:
- عزوف شركات التعدين الكبرى عن ضخ استثمارات كبيرة بسبب عدم وجود ضمانات واضحة.
- ضعف الشفافية في تراخيص التعدين وبيع الموارد.
- استمرار العقوبات الاقتصادية والسياسية التي تقيد الاقتصاد الوطني.
أرقام وإحصائيات مهمة
- مساهمة قطاع التعدين في الناتج المحلي الإجمالي أقل من 1% حتى عام 2024، مع خطة لرفعها إلى 5-6% في 2030 بموجب الخطط الحكومية.
- توقعات مصرية باستقطاب استثمارات أجنبية تزيد عن مليار دولار في مجال التعدين بحلول 2025.
- ارتفاع الطلب العالمي على المعادن النادرة (مثل الكوبالت) المتوقع أن يتضاعف ثلاث مرات حتى عام 2030، وفق وكالة الطاقة الدولية.
أين الدليل العملي على السبوبة؟
في 9 أبريل 2025 صرّحت حكومة الانقلاب أن جزءاً من برنامج الخصخصة سيشمل حصصاً في شركات مملوكة للعسكريين عبر صندوق ثروة سيادي بقيمة 12 مليار دولار، مع تعيين بنوك محلية دولية للترويج للطرح.
هذا التاريخ يُظهر أن السياسات المالية تستدعي تحويل أصول اقتصادية لصالح جذب سيولة سريعة.
تقارير صندوق النقد والمحللين خلال العام الجاري 2025، ربطت تحرير وطرح الشركات بالحصول على دفعات تمويل وبتقليل حجم الدولة في الاقتصاد، وهو شرط ظهر في مفاوضات تمويل سابقة مع القاهرة.
هذا يضع إطاراً موضوعياً للشك بأن بيانات المسوحات ستُستخدم لتسريع عروض استثمارية أو طرْح أصول.
مخاطِر بيئية وسيادية واجتماعية
المسوحات الجوية تقنية، لكنها تفتح الباب سريعاً أمام منح تراخيص تعدين واسعة، ما يعني مخاطر تلوث، استنزاف مياه جوفية، وتشريد مجتمعات محلية إذا لم تَقم الدولة بآليات رقابة واضحة ومشاركة مجتمعية.
أما من ناحية السيادة، فإتاحة خرائط "رأس المال الطبيعي" الدولية قد تُسهِم في فقدان القدرة على التحكم في من يستغلّ هذه الموارد وبأي شروط.
أمثلة دولية يُشير إليها منشور الشركة تُظهر أن نتائج المسوحات عادة تدفع على الفور زيادات في طلبات الامتياز من شركات خاصة.
ما هو هدف السيسي ونظامه من هذا المسار؟ قراءة تفسيرية
منطقياً، هناك ثلاثة دوافع يمكن أن تُفسّر تحركات النظام:
- مالي: تأمين سيولة واستثمارات عاجلة عبر طرح أصول أو منح امتيازات
- سياسيّ أمنيّ: تحويل إدارة الموارد إلى مؤسسات ومشروعات تدار بآليات بعيدة عن المساءلة (مؤسسات عسكرية أو صناديق سيادية)
- استراتيجيّ: تصوير الحملة كخطوة تطويرية لمصر لتبرير سياسات اقتصادية قاسية داخلياً.
هذه التفسيرات مدعومة بوقائع: تسريع طرح شركات وإعلانات عن مذكرات تفاهم واجتماعات مع شركات أجنبية طوال 2024–2025.
استنتاجات
اللقاء في 1 أغسطس 2025 مع شركة Xcalibur وغيره ليس حدثاً تقنياً منعزلاً، بل يأتي ضمن سياق أوسع من سياسات خصخصة وتوسّع اقتصادي مؤسّس على بنية قريبة من القوات المسلحة وصناديق سيادية، لذا، تحوّل المسح الجوي إلى باب قد يُستخدم سريعاً لفتح موارد مصر أمام مستثمرين خارجيين أو لتهيئة بيئة طرح أصول، ما يفسّر الخشية التي عبر عنها كثيرون بأن النظام يُفرّغ موارد البلاد قبل تغيير مرتقب أو عند الرغبة في ضمان مكاسب قبل المغادرة.
المعلومات المتاحة تُشير إلى أن الخطوة يمكن أن تجلب استثمارات، لكنها تحمل مخاطر بعيدة المدى على السيادة والبيئة والعدالة الاجتماعية ما لم تُرفق بضمانات شفافية، ملكية عامة، ومشاركة شعبية حقيقية.