شهد دير سانت كاترين، أقدم دير مأهول في العالم، حدثًا تاريخيًا الأحد الماضي بانتخاب المطران الجديد سمعان (سيميون) بابادوبولوس بعد اقتراع نال فيه 19 صوتًا من أصل 20.
غير أن هذا الانتخاب لم يخلُ من الجدل، إذ اعتبر مصدر مطّلع أن اليونان كان لها دور مؤثر في هندسة مسار العملية الانتخابية، بما ضمِن فوز المرشح المدعوم منها، وسط أزمة داخلية حادة عاشها الدير خلال الأشهر الماضية.
أزمة عزل داميانوس وتفاقم الانقسام
تعود جذور الأزمة إلى قرار تصويت داخلي بعزل المطران السابق، داميانوس، وهو ما دفع الأخير إلى رد فعل غير مسبوق تمثل في طرد الرهبان من قلاياتهم عبر أفراد أمن خاص.
هذا التصعيد زاد من الانقسام داخل الأخوية، وأثار قلقًا بشأن مستقبل إدارة الدير.
وتحت ضغوط كنسية متصاعدة، أعلن داميانوس تنحيه عن منصبه لأسباب صحية، مؤكدًا أنه سيرحل إلى اليونان لقضاء ما تبقى من أيامه هناك، مع رفع العقوبات عن الرهبان وإلغاء البلاغات المتبادلة بينهم.
انتخاب المطران الجديد ودور اليونان
حصل المطران الجديد بابادوبولوس، الذي شغل سابقًا منصب وكيل المطران، على دعم واسع داخل عملية الانتخاب، مع حصوله على 19 صوتًا من أصل 20.
إلا أن مصدرًا من داخل الدير أكد أن الاختيار لم يكن طبيعيًا بالكامل، بل جرى تضييق الهامش أمام الرهبان الآخرين بوسائل عدة، منها استخدام أوراق التسريح الكنسي في اليونان كأداة ضغط حالت دون ترشح منافسين بارزين.
الصحافة اليونانية وصفت المطران الجديد بأنه "معتدل وتوافقي ومتعاون مع اليونان"، معتبرة أن انتخابه يمهد لإعادة توحيد الجماعة، ويفتح الطريق أمام تسوية ملفات شائكة مع مصر.
شروط الترشح والجدل حول القانون اليوناني
وفقًا للائحة الداخلية للدير، يشترط للترشح أن يتراوح عمر الراهب بين 35 و70 عامًا، وأن يكون قد ترهّبن داخله، وأن يحمل رتبة كهنوتية.
هذه الشروط لم تنطبق إلا على خمسة رهبان، اثنان منهم بلا قاعدة شعبية، وثلاثة دار بينهم التنافس الفعلي.
وبحسب المصدر، فإن بابادوبولوس واجه انتقادات خلال السنوات الماضية لسلبيته في التعامل مع شكاوى الرهبان، ولإخفائه موافقة داميانوس على قانون يوناني أثار غضب الأخوية، إذ نص على إنشاء هيئة عامة في أثينا بصلاحيات واسعة على ممتلكات الدير داخل مصر وخارجها، ما اعتُبر تهديدًا لاستقلاليته التاريخية.
التدخل اليوناني والصراع على الممتلكات
المصدر ذاته أوضح أن الراهبين المنافسين لبابادوبولوس كانا مرتبطين بأخويات كنسية في اليونان، وأن تعطيل إجراءات تسريحهما حال دون أهليتهما للترشح أو المشاركة في التصويت.
كما تم طردهما سابقًا من الدير بقرار من المطران السابق داميانوس.
ويرى مراقبون أن هذه الإجراءات عززت من فرص فوز المرشح الوحيد المتبقي عمليًا.
الجدل ارتبط أيضًا بمصير ممتلكات الدير، خصوصًا بعد أن أقر البرلمان اليوناني قانونًا يمنح الهيئة الجديدة في أثينا نفوذًا على أراضيه، ما أعاد إلى الواجهة أسئلة حول السيادة والاستقلالية.
مستقبل الدير بعد انتخاب بابادوبولوس
من المقرر أن يُرسَم المطران الجديد في القدس خلال ثلاثة أسابيع، على أن يُنتخب بعدها مجلس شورى جديد لإدارة الدير.
وسيُعرض جدول أعمال المطران فور ترسيمه، بما يشمل حسم ملفات عالقة مثل القانون اليوناني الجديد، والنزاع حول الأراضي المصرية.
ففي مايو الماضي، قضت محكمة استئناف الإسماعيلية بطرد رئيس الدير السابق من 14 قطعة أرض، والإبقاء على 57 كحق انتفاع فقط، ما فتح الباب أمام خلافات قانونية وسياسية مستمرة.
وفي النهاية يأتي انتخاب المطران الجديد لدير سانت كاترين ليضع حدًا مبدئيًا للأزمة الداخلية التي كادت أن تعصف باستقرار أعرق أديرة العالم، لكنه في الوقت نفسه يثير جدلًا حول مدى استقلالية قرار الأخوية في ظل التدخلات اليونانية.
وبينما يُنتظر أن يكشف المطران بابادوبولوس عن خططه بعد الترسيم، يبقى مستقبل الدير مرتبطًا بقدرته على التوفيق بين ضغوط الخارج وتطلعات رهبانه، وبين الحفاظ على خصوصيته التاريخية وتسيير شؤونه بعيدًا عن التجاذبات السياسية.