يحتل نظام عبد الفتاح السيسي العسكري في مصر المركز الـ170 من بين أكثر من 180 دولة في مؤشر "مراسلون بلا حدود" لحرية الصحافة لعام 2025، وهو مؤشر يعكس بوضوح التدهور الكبير والمتواصل في حرية الإعلام والتعبير في البلاد.
الحقيقة المرة
احتلت مصر المرتبة 170 من أصل 180 في مؤشر حرية الصحافة لعام 2025 الذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود، رقماً يضع البلاد إلى جانب دول تُعرف بانتهاكات خطيرة للحريات مثل إيران وكوريا الشمالية.
يأتي هذا التصنيف المتدني نتيجة استراتيجيات مكثفة من القمع والتضييق على الحريات الإعلامية، في ظل حكم عسكري يفضل السيطرة المطلقة على مخرجات الإعلام ويعتبر حرية الصحافة تهديداً مباشراً لاستقراره.
هذا التصنيف ليس رقمًا عشوائياً بل انعكاس لترتيب يعتمده باحثون ومؤسسات صحافية دولية يقيسون قيوداً ميدانية وقانونية واقتصادية على الإعلام.
ما هو مصدر التصنيف؟ وكيف يُحسب؟
مصدر التصنيف الأساسي هو تقرير مراسلون بلا حدود (RSF) لسنة 2025، والذي يجمع بيانات من مسوح لخبراء وإدلاء ميدانيين ويقيس مؤشرات مثل الحرمان من الوصول للمعلومات، الاعتداءات الجسدية على صحفيين، القوانين المقيدة، والضغط الاقتصادي على وسائل الإعلام.
أضافت RSF في 2025 بعداً اقتصادياً قوياً إلى منهجية التقييم، حيث أصبحت الضغوط المالية على الإعلام تُحتَسب بوضوح وتُؤثر في النتيجة النهائية.
لماذا مصر في مستوى متأخر؟ أسباب عملية وممنهجة
- القمع القانوني والمؤسسي: خلال السنوات الأخيرة سنّت السلطات قوانين وإجراءات توسّع تعريف «تهديد الأمن القومي» وتُسهِم في ملاحقة الأصوات الناقدة، بما في ذلك تشديد قوانين الطوارئ والأمن الإلكتروني، وفق تقارير من مؤسسات حقوقية توثّق ملاحقات قضائية متكررة للصحفيين والمدوّنين.
- الاعتقالات والمحاكمات: سجل 2024–2025 شهد موجات من الملاحقات القضائية ضد صحفيين ونشطاء رقميين، مع أحكام بالسجن على خلفية تغطيات أو منشورات اعتُبرت مُهدِّدة، هذا النمط يولّد حالة من الرقابة الذاتية لدى وسائل الإعلام.
- الضغط الاقتصادي والسيطرة على السوق الإعلامي: الإعلام المستقل يواجه صعوبات مالية متزايدة (سحب إعلانات حكومية، قيود على التمويل)، بينما تتوسع مؤسسات مرتبطة بالدولة أو بالجيش في الاستحواذ على قطاعات إعلامية رئيسية، وهو عامل ذكرته RSF نفسه عام 2025 كسبب ملحوظ لتراجع الحريات.
- التحكم في الإعلام الرسمي وإعادة توجيهه: تُعاد هندسة أجهزة الإعلام لتتوافق مع السرد الرسمي، ما يجعل مساحة النقد السياسي شبه معدومة في وسائل الإعلام الكبرى.
دور قائد الانقلاب في تآكل الحريات
منذ الانقلاب العسكري في 2013 وصعود السيسي للسلطة، اتبع النظام سياسة الضابط الحاكم، الجيش يُسيطر على مراكز القرار والاقتصاد، وقائد الانقلاب بنى نظاماً سياسياً قوياً يعتمد على مؤسسات أمنية قوية للتحكم في المشهد العام.
أبحاث وتحليلات أكاديمية مثل مركز كارنيغي، تشير إلى أن السيسي أعاد تشكيل الدولة المصرية نحو جمهورية ثانية يقودها عقلية الامتلاك الأمني والاقتصادي، ما يعني أن قرارات التضييق على الإعلام تأتي من قمة السلطة وتُدار بشبكات مؤسسية.
تواريخ وتصريحات
- في مايو 2025 أصدرت RSF تقريرها الذي صنّف مصر في المركز 170، مع توضيح أن مؤشر الضغوط الاقتصادية أصبح مؤثراً بقوة في التراجع.
- في مايو 2024، أفادت المنظمة بأن أكثر من 25 صحفياً قد احتُجزوا أو تعرضوا لمنع من السفر.
- في تقرير المركز المصري للإعلام والرأي العام "تكامل مصر" لعام 2019، أظهر 74% من المصريين رفضهم لاستمرار نظام السيسي، مع ارتفاع نسبة الرفض في الفئات العمرية تحت 40 سنة إلى 81%.
- منظمات حقوقية وثقت في 2024–2025 حالات توقيف ومحاكمات بحق صحفيين مع تهم تتعلق بمشاركة معلومات كاذبة أو تهديد للأمن، وهي تهم باتت أداة متكررة لإسكات النقد.
- على المستوى الرسمي، يتكرر خطاب السيسي حول الأمن القومي والحاجة إلى إعلام مسؤول؛ تصريحات رسمية استخدمت لتبرير ضوابط أكثر على الإعلام خلال أزمات إقليمية ووطنية.
- قائد الانقلاب السيسي قال في خطابه عام 2023: "هذه ليست مرحلة للتجارب الديمقراطية الغربية، نحن في مرحلة بناء الدولة والاستقرار".
من يدفع الثمن؟ تأثيرات اجتماعية واقتصادية
تراجع حرية الصحافة لا يضر فقط بالصحفيين، بل يُضعف أيضاً الشفافية ويزيد خطورة الفساد وسوء إدارة الموارد العامة، إذ لا رقابة مستقلة تسلّط الضوء على القرارات الاقتصادية والسياسات العامة.
بنوك ومؤسسات دولية وتنموية تشير إلى أن غياب شفافية إعلامية يزيد مخاطر الاستثمار ويضعف ثقة المواطنين في المؤسسات.
الإعلام الاقتصادي المستهدف
وفقاً لتقرير "مراسلون بلا حدود" في 31 ديسمبر 2024، كان أحد أخطر مظاهر التضييق على حرية الصحافة هو الاستهداف الاقتصادي لوسائل الإعلام، ما أثر بشكل بالغ في قدرتها على العمل عبر حرمانها من التمويل والإعلانات، بل شجب وتضييق يمس الأمان الوظيفي للصحفيين.
ويرى المراقبون أن هذا الاستهداف الاقتصادي كان جزءاً من استراتيجية تقويض ودفع الإعلام إلى تبني موقف موالي للنظام، أو على الأقل الكف عن النقد المباشر.
التوصيات السريعة
المرتبة 170 ليست مفاجأة بقدر ما هي نتيجة سياسة طويلة المدى قادها نظام عسكري مركزي يفضل الأمن والسيطرة على حرية التعبير والنقد.
الحلول تتطلب إرادة سياسية حقيقية تشمل الإفراج عن معتقلي الرأي، تعديل القوانين المقيدة، فتح مساحة لتمويل الإعلام المستقل، وضمان حماية قانونية للصحفيين.
المنظمات الدولية تحذّر؛ دون إصلاحات ملموسة، سيبقى الإعلام في مصر تحت رحمة المصالح الأمنية والاقتصادية للدولة.