في وقت تعيش فيه مصر أزمة غير مسبوقة في ملف المياه بسبب سد النهضة الإثيوبي، خرج وزير الري الدكتور هاني سويلم بتصريحات مثيرة للجدل، اعتبر فيها أن "زراعة القمح في مصر صعبة"، وأن الأفضل هو التوجه نحو محاصيل تصديرية تجلب الدولار لشراء القمح من الخارج.
هذه الرؤية التي تبدو براغماتية على السطح، أثارت عاصفة من الانتقادات من خبراء الزراعة والاقتصاد، الذين وصفوها بالكارثية على الأمن الغذائي المصري.
إذ كيف لدولة تاريخها الزراعي مرتبط بالقمح منذ آلاف السنين، وتستهلك أكثر من 20 مليون طن سنويًا، أن تُهمل زراعته في وقت تضيع فيه حصتها من النيل وتواجه تهديدًا وجوديًا في غذائها؟
الأمن الغذائي أولى من الدولار
أكد الدكتور محمد عامر، أستاذ الاقتصاد الزراعي، أن تصريحات الوزير تكشف عن "عقلية مالية ضيقة" ترى الغذاء مجرد سلعة يمكن استيرادها، لا عنصرًا من عناصر الأمن القومي.
وأضاف أن استبدال القمح بمحاصيل تصديرية مثل الفراولة أو الزهور "سيضاعف من تبعية مصر للأسواق العالمية"، وهو ما يجعل ملايين المصريين رهائن للتقلبات السياسية والاقتصادية الدولية.
واعتبر أن الحل يكمن في استراتيجيات زراعية جديدة تعتمد على أصناف قمح قليلة الاستهلاك للمياه بدلًا من التخلي عن المحصول الاستراتيجي.
المياه الجوفية مورد غير متجدد
من جانبه، حذّر الدكتور سعيد سليمان، أستاذ الزراعة بكلية الزراعة جامعة الزقازيق، من أن تعويض عجز مياه النيل بالاعتماد على المياه الجوفية في الصحراء الغربية "مغامرة غير محسوبة".
وأكد أن هذه المياه "مورد غير متجدد"، وأن استخدامها بكثافة في مشروعات استصلاح صحراوية سيؤدي إلى استنزافها سريعًا.
وأشار إلى أن "الحكومة بدلًا من التفكير في حلول مستدامة، تلجأ إلى مشاريع استعراضية تستهلك موارد محدودة ولا تحقق الاكتفاء الغذائي".
فشل اقتصادي واستراتيجي
أما الدكتور مدحت عنيبر، أستاذ الاقتصاد الزراعي، فقد اعتبر أن طرح الوزير يتجاهل جوهر المشكلة.
وقال إن "القمح ليس مجرد سلعة بل هو قضية أمن قومي"، وأن الاتجاه إلى زراعة محاصيل تصديرية لا يوفر حلًا حقيقيًا.
وأضاف أن "المعادلة الاقتصادية التي يتبناها الوزير خاسرة"، لأن استيراد القمح يظل أكثر كلفة على المدى الطويل، خصوصًا مع تقلب أسعار الدولار عالميًا وأزمات الشحن وسلاسل التوريد.
وأكد أن "الطريق الأمثل هو الاستثمار في تكنولوجيا الري الحديث وزراعة الأصناف الجافة"، لا الاستسلام لفكرة الاستيراد.
استنزاف المياه وتكرار الأخطاء
الدكتور جمال عبد العظيم، أستاذ الموارد المائية، شدد على أن "الاعتماد على المياه الجوفية لحل أزمة القمح وهم كبير".
وأوضح أن هذه السياسة تكرّر أخطاء سابقة حين تم استنزاف طبقات المياه في مناطق عدة من الصحراء، ما أدى إلى تدهور التربة وتملح الأراضي.
وأضاف: "بدلًا من هدر المياه الجوفية في مشروعات استعراضية، يجب تطوير شبكات الري وتبطين الترع لتقليل الفاقد، وضمان استمرار زراعة القمح في الأراضي القديمة بدل التخلي عنه".
زراعة غير اقتصادية
وفي السياق نفسه، أوضح الدكتور حامد جودة يوسف الشويخ، أستاذ الاقتصاد الزراعي، أن "زراعة القمح بالمياه الجوفية العميقة قد تكون غير اقتصادية".
وأشار إلى أن الإنتاجية الفدانية تعتمد على نوعية المياه، وأن استخدام المياه المالحة أو الجوفية البعيدة يكلف الدولة أضعاف ما لو استثمرت في تحسين الأراضي القديمة.
ولفت إلى أن تصريحات الوزير تعكس "عجزًا عن وضع رؤية اقتصادية واقعية"، إذ يجري الحديث عن الدولار بينما يتم إغفال التكلفة الباهظة على المدى الطويل.
أصناف قليلة المياه وتجارب دولية
أكد الخبراء أن البديل ليس التخلي عن القمح، بل تبني أصناف جديدة قليلة الاستهلاك للمياه، وهو ما أثبت نجاحه في تجارب دول مثل الهند والسودان.
وأشاروا أيضًا إلى التجربة الإماراتية التي نجحت في زراعة مساحات واسعة من القمح في أراضٍ صحراوية، وتصدير جزء منه إلى مصر نفسها.
وتساءلوا: كيف تنجح الإمارات في استزراع القمح في صحراءها، بينما تفشل مصر، صاحبة نهر النيل والتربة الزراعية الخصبة، في تبني خطة مشابهة؟
وختاما فأزمة تصريحات وزير الري تكشف عن أزمة أعمق تتعلق بغياب إرادة سياسية حقيقية لمواجهة التحديات الغذائية في مصر.
فبدلًا من تطوير البحث الزراعي ودعم الفلاحين وتوفير تكنولوجيا ري حديثة، تتجه الحكومة إلى حلول مؤقتة تزيد من اعتماد البلاد على الخارج.
وفي وقت يهدد فيه سد النهضة أمن مصر المائي، يصبح التخلي عن زراعة القمح جريمة مضاعفة، لأنها تحرم المصريين من حقهم في غذاء آمن ومستقل.
الرسالة التي يوجهها الخبراء للحكومة واضحة: القمح ليس رفاهية، بل خط الدفاع الأول عن مصر في مواجهة الجوع والعجز والارتهان للخارج.
آراء وخبرات
قال الحسن الصباح:
وكتب محمد الشريف:
وعلق رمسيس الثاني:
وأضاف يوسف علي:
وأكد زياد:
" أينما حلو العسكر حل الخراب والقحط والفساد والظلم جيش فوزيه للكفته والكحك".