يعتبر حسن إبراهيم محمود السوهاجي، الذي توفي مؤخرًا في سبتمبر 2025، واحدًا من أبرز وجوه القمع والتنكيل في عهد عبد الفتاح السيسي، حيث شغل مناصب أمنية مهمة مكنت جهاز السجون من ممارسة أبشع أنواع التعذيب ضد المعتقلين السياسيين.
يقدّم هذا التقرير كشفًا عن سيرته ومساره الذي يبدأ من بداياته بوصفه جلادًا متورطًا في قضايا تعذيب منذ أوائل التسعينيات، مرورًا بدوره الحاسم في دعم انقلاب 2013، إلى نهايته التي أثارت الجدل عبر جنازة أمنية رسمية.
السوهاجي في السلطة الأمنية
بدأ حسن السوهاجي مسيرته في وزارة الداخلية عام 1979، وتدرج في مناصب حساسة، منها مدير أمن سوهاج، مدير أمن أسوان، ومدير مباحث العاصمة (القاهرة)، وصولًا لمنصب مساعد أول وزير الداخلية لقطاع مصلحة السجون، ورئيس قطاع الحماية المجتمعية.
هذه المراتب مكّنته من الإشراف المباشر على مراكز الاحتجاز التي شهدت فظاعات وقعت بحق آلاف المعتقلين السياسيين بين عامي 2013 و2025، ولم يكن مجرد مسؤول بيروقراطي، بل متهم بالإشراف المباشر على التعذيب المنهجي.
دوره في انقلاب 2013 وتطويع السجون للتنكيل السياسي
تحت حكم السيسي، خاصة بعد انقلاب يوليو 2013، تحول جهاز السجون إلى أداة أساسية لقمع المعارضة، وأصبح السوهاجي جزءًا فاعلًا في هذا النظام، حيث يُتهم بترهيب وسجن وتعذيب المعارضين، بما فيهم قيادات جماعة الإخوان المسلمين ونشطاء حقوق الإنسان.
إشرافه على ممارسات التعذيب المسجلة من حرمان من الأغذية، المياه الملوثة، الضرب، والسبّ الديني كان موثقًا في تقارير حقوقية عدة، كما تم تسجيل حالات تعذيب بارزة.
أشهر هذه الادعاءات كانت على لسان القيادي محمد البلتاجي الذي قال أمام محكمة في 9 أغسطس 2016 إنه تعرض لتعذيب وممارسات مهينة وتجريده من ملابسه والسب الديني داخل سجن طرة، واتهم مساعد وزير الداخلية حسن السوهاجي وقيادات أخرى بالتورط في هذه الانتهاكات.
الجهات الأمنية وصفَت تلك الاتهامات في حينها بأنها اتهامات مرسلة ونفتها.
اتهامات وتاريخ تعذيب السوهاجي
ليس دور السوهاجي في التعذيب مقتصراً على السنوات الأخيرة، بل إن سجله يتضمن إدانته في عام 1992 عندما كان برتبة رائد في مباحث قسم الزيتون، حيث أدين بتعذيب مواطن يدعى مختار أحمد أبو العمايم، وحُكم عليه بالسجن ستة أشهر مع الشغل، في قضية تعذيب حملت تفاصيل ضرب وسوط وخلق إصابات بالجسد.
هذه الممارسة استمرت طوال حياته المهنية، كما أشير إلى قيامه بسلب المعتقلين كتب القانون والدستور والتضييق عليهم داخل السجن، الأمر الذي تؤكده شهادات من معتقلين سابقين.
في 15 سبتمبر 2025، قال نقيب محامين مستقل إن "حسن السوهاجي رمز آخر لتجذّر التعذيب في جهاز الأمن المصري، ولا يمكن بناء دولة حديثة دون محاسبة الجلادين."
في المقابل، شكّلت تصريحات حكومية في العام 2025 صورة الرجل كخادم للوطن، حيث استُشهد عليه في تقارير رسمية كأحد "حراس الأمن الوطني."
إحصاءات التعذيب في عهد السوهاجي
بين 2013 و2025، وفق تقارير حقوقية، شهدت السجون المصرية زيادة ملحوظة في حالات التعذيب وسوء المعاملة، حيث تم توثيق آلاف البلاغات، منها حالات وفاة في الحجز نتيجة التعذيب النفسي والجسدي.
وفقًا لمنظمة حقوقية عاملة في مصر، تجاوز عدد المعتقلين السياسيين في مراكز الاحتجاز الرسمية 60,000 شخص في ذروة القمع، مع نسبة عالية تجاوزت 40% تعرضوا لشكل من أشكال التعذيب، وكلها تحت إشراف مسؤولي السجون وعلى رأسهم حسن السوهاجي.
الجدل المحيط حول السوهاجي ونهايته
توفي حسن السوهاجي في 16 سبتمبر 2025، وأُقيمت جنازته الرسمية في مسجد الشرطة بصلاح سالم بحضور قيادات أمنية رفيعة المستوى وعائلته، وكذلك أقيم العزاء في مسجد الشرطة بمنطقة الدراسة بالقاهرة.
هذه النهاية المُكلّلة بحضور أمني بارز أثارت حفيظة الشعب المصري الذين يرون في احتفالية توديعه مهرجانًا للتكريم بدلًا من محاسبة مسؤول عن قضايا تعذيب، كما أن النشطاء والمجموعات الحقوقية دعوا إلى محاكمة الجلادين بدلاً من تكريمهم.
حسن السوهاجي ليس مجرد رجل أمن معتاد، بل هو أحد رموز القمع في عهد عبد الفتاح السيسي. من تعذيبه في التسعينيات إلى دوره الحاسم كمسؤول عن سجون أكثر ظلمة في تاريخ مصر الحديث، يعكس ملفه الحافل مبادئ النظام الأمني الحاكم الذي يكبح الحريات السياسية والمدنية.
تثير وفاة حسن السوهاجي بصفتِه شخصية مركزية في إدارة السجون، سؤالين مترابطين:
الأول حقوقي-قضائي حول مسؤولية الأجهزة عن انتهاكات موثّقة من منظمات دولية وشهادات معتقلين؛
والثاني سياسي حول كيفية قراءة دولة تسلّط فيها السلطة الأمنية دورها داخل الدولة وتتعامل علناً مع اتهامات واسعة النطاق.
على الصحافة المحلية والدولية أن تستغل الحدث لتحقيقات مستقلة توضح خطوط المسؤولية، وأن تطالب بنشر سجلات إدارية وطبية وقضائية متعلقة بالاحتجازات والموت داخل السجون، بدلاً من الاكتفاء بخبر الوفاة الرسمي فقط.
نهاية حياته المكرمة رسميًا تطرح سؤالًا عن العدالة الحقيقية، وإلى أي حد ستستمر مصر في تمييز الجلادين على حساب ضحاياهم.
في الوقت الذي يرحل فيه، يبقى السوهاجي عنوانًا لنظام قمعي اقتلع آمال ملايين المصريين في الكرامة والحرية.