في الفترة من 28 أغسطس إلى 10 سبتمبر 2025، استضافت مصر مناورات "النجم الساطع" العسكرية المشتركة مع القوات الأمريكية، والتي تعتبر من أكبر التدريبات العسكرية في الشرق الأوسط، بمشاركة 43 دولة و7900 مقاتل.
في الوقت ذاته، شهدت المشهد السياسي والاعلامي المصري زيادة في تجييش خطاب معادٍ للرموز الفلسطينية مثل الكوفية، التي باتت تُصور كعدو ثقافي رغم كونها رمز مقاومة فلسطيني وبدوي أصيل.
هذه التطورات تترافق مع سياق حكم عبدالفتاح السيسي الذي اتسم بتقوية الانحياز الأمني على حساب الحريات والسيادة الوطنية.
الحجم والتوقيت والدلالة السياسية
تعد مناورات النجم الساطع 2025 النسخة التاسعة عشر لهذه التدريبات التي تجمع قوات مدربّة على مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن الإقليمي، مع تأكيد القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم" على أنها امتداد للعلاقة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة.
لكن هذه المناورات التي جرت على أراضي قاعدة محمد نجيب العسكرية غربي مصر، لا يمكن النظر إليها بمعزل عن السياق السياسي القمعي في مصر، حيث تعزز نفوذ الاحتلال الأمريكي وتزيد من الاعتماد على الجيش كقوة مركزية للحفاظ على نظام السيسي وسط حالة من الانقطاع عن جموع الشعب المعارض.
علاوة على ذلك، تجسد هذه المناورات رسالة ضمنية بالتأكيد على محورية الدور الأمريكي في الشرق الأوسط وفي محاربة "التطرف العنيف" وفق تعبير القيادة الأمريكية الرسمية، وهو ما يطرح تساؤلات حول تعريف الإرهاب وتجاهل قضايا شعبية مشروعة مثل القضية الفلسطينية.
قراءة في أهداف ومخاطر المناورات
على الرغم من الدعاية الرسمية التي تصف المناورات بأنها دورية لتعزيز القدرات المشتركة في مكافحة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة، إلا أن الواقع يشير إلى خلل في السيادة والاستقلال العسكري المصري.
مشاركة القوات الأمريكية الـ 7900 ضمن 13 دولة مشارك، من أصل 43 دولة مشاركة بشكل عام، تؤكد أن مصر تحت سلطة تبعية عسكرية عميقة، تعزز ما يشبه الاحتلال الناعم.
الإدارة الأمريكية تستخدم "النجم الساطع" كأداة للضغط على النظام المصري كي يظل صاغراً لسياسات واشنطن في المنطقة، مع تجاهل تام للمطالب الشعبية بالحرية والكرامة.
ويأتي هذا في ظل ما يزيد عن 10 سنوات من حكم السيسي الذي قمع المعارضة السياسية والاجتماعية، ودفع بمحاولات تطوير البلاد نحو مسارات أمنية بعيداً عن الديمقراطية أو الإصلاح الحقيقي
البعد الاقتصادي
ترويج المشهد العسكري يخفي آثاراً اقتصادية مباشرة: تعبئة آلاف الجنود، استقدام معدات، استضافة وفود أجنبية، وتغطية إعلامية واسعة كلها تُكلّف الدولة مالياً ومادياً، في وقت تُظهر بيانات متتابعة تآكلاً في الإنفاق على الصحة والتعليم وتزايداً في الدين العام، تصبح مناورات بهذا الحجم أداة لتصوير إنفاق الدولة على الأمن بدل رفاهية المواطنين، قرار له تبعات ملموسة على الميزانية العامة والقدرة على تمويل برامج اجتماعية أساسية.
رسائل النفوذ
إعلان القيادة الأميركية أن "النجم الساطع يمثل امتداداً للعلاقة الأمنية الاستراتيجية" يؤكد أن واشنطن لا تزال تراهن على شريحة من القيادات المصرية كركيزة أمنية إقليمية.
بالنسبة للولايات المتحدة، المناورات وسيلة لحفظ خطوط التعاون والتدريب، وبقاء تأثيرها في شرق المتوسط والشرق الأوسط.
وللقيادة المصرية، الاستعراض مع الأميركيين يستخدم كغطاء لشرعيةٍ خارجية تُعرض داخلياً كدليل على أهمية النظام الإقليمي.
تصعيد التصوير المعادي للكوفية
في السياق السياسي والاجتماعي، تتعرض الكوفية الفلسطينية، التي هي رمز النضال والمقاومة لدى الفلسطينيين والبدو، لحملة تصعيدية في الإعلام الرسمي ومحيط النظام، فقد تحولت الكوفية، التي كانت تعبر عن التضامن الشعبي المصري مع القضية الفلسطينية إلى رمز يُصور كعدو أو تهديد، ما يعكس نزع ارتباط المصريين بقضية أشقائهم وذر الرماد في العيون.
هذه المناورة الثقافية تصاحبها صيغة خطابية رسمية متشددة، إذ وصف السيسي الكيان الإسرائيلي بـ"العدو" بشكل رسمي، ولكن من دون اتخاذ خطوات جادة على الأرض تدعم القضية الفلسطينية أو تحررها.
هذا التناقض بين الخطاب والإجراءات يرجح أن النظام المصري يستخدم القضية الفلسطينية كبطاقة ضمن تحالفاته الاستراتيجية المثيرة للجدل، بينما يخنق الهوية الوطنية وتاريخ التضامن الشعبي.
استنتاجات ورسائل ضمنية
مناورات "النجم الساطع" 2025 لا تعبر فقط عن تعميق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، بل ترمز إلى استمرار مصر في تشكيل جيش عميل لتكون أداة لضرب شعوب المنطقة تحت شعار محاربة الإرهاب.
تأكيد المتحدث العسكري المصري على أن هذه أكبر مناورات في الشرق الأوسط مع إشراك دول عديدة تحت الهيمنة الأمريكية يوضح أن النظام يتاجر بالأمن القومي المصري.
أما الرسالة السياسية المباشرة فهي محاولة لفصل الشعب المصري عن جذوره العربية والبدوية والفلسطينية، عبر تجريم رموز المقاومة مثل الكوفية.
كل ذلك في توقيت يشهد تصاعداً في قمع الحريات داخلياً، وتزايد الضغوط الاقتصادية على المواطنين، مما يعكس فشل النظام في إدارة ملف الأمن والسيادة الوطنية لصالح بقاءه السياسي فقط.
بالتالي، تظل مناورات "النجم الساطع" وكوفية المقاومة بمثابة مرآة مكشوفة لحقيقة حكم السيسي؛ حكم عسكري أمني يضحي بالحقوق والكرامة الوطنية تحت وطأة تبعية عميقة واسترضاء خارجي.
وعلى القوى الوطنية أن تدرك خطورة هذه المناورات على مستقبل مصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وأن ترفض تصوير رموز مقاومتها وثقافتها كأعداء، لأنها بذلك تحافظ على أصالة الهوية الوطنية وكرامة الشعوب المستعمرة والمضطهدة على مدار العقود.