في مشهد يبدو أقرب إلى المسرحية السياسية، خرج ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات وأحد أبرز أذرع النظام الإعلامية، ليعلن أنّ استخدام كلمة "العدو" ضد إسرائيل في الخطاب الرسمي المصري هو المرة الأولى منذ اتفاقية السلام في عهد السادات. تزامن ذلك مع موجة "تطبيل" من الإعلام الموالي للسيسي، الذي صوّر الأمر وكأنه تحوّل جذري في السياسة المصرية تجاه إسرائيل.

لكن الحقيقة، كما تكشف الوقائع، أنّ هذا الادعاء ليس سوى محاولة لتلميع صورة النظام الحالي، بينما التاريخ القريب – في عهد الرئيس الراحل الشهيد الدكتور محمد مرسي – يكشف أن المواقف الرسمية والشعبية كانت أشد وضوحًا وصلابة تجاه الاحتلال الإسرائيلي، ولم تقتصر على "الألفاظ" بل امتدت إلى خطوات عملية على الأرض.

 

أكذوبة "المرة الأولى"

رشوان والأذرع الإعلامية حاولوا تقديم وصف "العدو" وكأنه قطيعة مع سياسات كامب ديفيد، لكن الوقائع تكذب هذا الطرح. الرئيس الراحل الشهيج الدكتور محمد مرسي، خلال فترة حكمه القصيرة (2012–2013)، لم يكتفِ باستخدام خطاب شديد اللهجة ضد الاحتلال الإسرائيلي، بل اتخذ مواقف عملية لم تنجح أي سلطة بعده في الاقتراب منها.

 

مرسي.. الخطاب والموقف

حين شنّت إسرائيل عدوانها على غزة في نوفمبر 2012، خرج مرسي بخطاب تاريخي قال فيه بوضوح:

  • "لن نترك غزة وحدها، ومصر اليوم ليست مصر الأمس".

لم يصف إسرائيل بالعدو فقط، بل أعلن موقفًا رسميًا بأن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي.

 


الأهم أن هذا الخطاب لم يكن مجرد كلمات، بل صاحبه تحرك عملي سريع:

  • استُدعي السفير المصري من تل أبيب.
  • فتحت معبر رفح لإدخال المساعدات والجرحى.
  • أرسلت مصر وفدًا وزاريًا رفيع المستوى إلى غزة تضامنًا مع الشعب المحاصر.
  • لعبت القاهرة دور الوسيط الفاعل في فرض تهدئة أجبرت إسرائيل على وقف عدوانها.

هذه الخطوات وحدها كفيلة بنسف رواية رشوان، إذ لم يكن مجرد توصيف لفظي، بل سياسة متكاملة تعاملت مع إسرائيل كـ عدو فعلي.

 

السيسي.. من التطبيع العلني إلى التجميل الإعلامي

في المقابل، عهد السيسي تميز بتقارب غير مسبوق مع إسرائيل، وصل إلى حد التنسيق الأمني المعلن، واللقاءات الدبلوماسية العلنية، والتعاون الاقتصادي في ملفات الغاز والطاقة.

جرى توقيع صفقات ضخمة لاستيراد الغاز من إسرائيل، في الوقت الذي تروّج فيه الحكومة لاكتشافات حقل "ظهر".

نُقل الغاز الإسرائيلي عبر سيناء ليُسيَّل في مصر ويُعاد تصديره إلى أوروبا، ليصبح الاقتصاد المصري بوابة لإنقاذ اقتصاد الاحتلال.

ظهرت صور السيسي في قمم علنية مع نتنياهو، بينما كان أسلافه يحرصون على إبقاء مثل هذه اللقاءات بعيدًا عن الكاميرات.

في ظل هذه الحقائق، يصبح حديث رشوان عن "المرة الأولى" ليس إلا محاولة لطلاء جدار مليء بالشروخ، عبر خطاب لفظي لا يغيّر شيئًا في جوهر السياسات.

 

الإعلام الموالي.. صناعة الوهم

الأذرع الإعلامية للنظام انطلقت لتسوّق الحدث وكأنه تحول استراتيجي، فصارت البرامج تتغنى بـ"عودة مصر إلى خطاب العداء"، وتربط ذلك بـ"دور مصر التاريخي في القضية الفلسطينية". لكن السؤال البسيط:

إذا كانت إسرائيل "عدوًا"، فلماذا تستمر العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معها بشكل أعمق من أي وقت مضى؟ ولماذا يُسحق أي صوت معارض للتطبيع داخل مصر؟

إنها مفارقة تكشف تناقضًا فادحًا: النظام يصف إسرائيل بالعدو لفظيًا أمام الجماهير، بينما يحتضنها كحليف سياسي واقتصادي خلف الأبواب المغلقة.

 

بين الموقفين.. الفارق جوهري

مرسي: استخدم خطابًا واضحًا ضد الاحتلال، ورافقه بخطوات عملية تحدّت إسرائيل ووقفت مع غزة.

السيسي: يستخدم كلمة "العدو" مرة واحدة في ظرف سياسي ضاغط، بينما تُبنى سياساته على شراكات استراتيجية مع تل أبيب.

الفارق أن الأول واجه العدو كعدو، والثاني يوظف الكلمة كديكور إعلامي لتجميل صورة باهتة أمام الرأي العام.

 

كلمة بلا فعل

تصريحات ضياء رشوان وأذرع النظام ليست إلا محاولة لإعادة تسويق خطاب سياسي مأزوم. الحقيقة أن إسرائيل في عهد السيسي لم تكن يومًا "عدوًا" في الممارسة العملية، بل شريكًا وحليفًا. بينما التجربة القصيرة للرئيس الراحل مرسي تؤكد أن مصر قادرة، حين تتوفر الإرادة السياسية، على أن تتعامل مع الاحتلال كعدو حقيقي لا كشريك مضطر.

إن التاريخ لا يُمحى بالبيانات ولا بالتطبيل الإعلامي. وإذا كان النظام الحالي يبحث عن شرعية عبر الكلمات، فإن شرعية مرسي ستظل محفوظة بالأفعال التي يعرفها العالم، والتي جعلت إسرائيل نفسها ترى في وجوده على رأس السلطة المصرية خطرًا استراتيجيًا.