في تصريحات أثارت جدلًا واسعًا، أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عن تشكيل لجنة جديدة لمتابعة ملف العقارات الآيلة للسقوط في مختلف المحافظات، بعد حوادث متكررة لانهيار مبانٍ قديمة، كان آخرها مقتل وإصابة عشرات المواطنين في الإسكندرية والجيزة والزقازيق والقاهرة.
ورغم أن الحكومة تروج لهذا القرار باعتباره تحركًا استباقيًا لحماية الأرواح، إلا أن كثيرين وصفوه بأنه تحرك متأخر، ويأتي في إطار سياسة "إدارة الكوارث بعد وقوعها"، لا منعها.
تحرك متأخر
الشارع المصري اعتاد خلال السنوات الماضية على مشاهد متكررة لانهيار منازل ومبانٍ، خاصة في المحافظات الشعبية والعشوائيات، حيث لا يجد الأهالي بديلًا سوى العيش وسط جدران متهالكة، في ظل غياب خطط حقيقية للصيانة والدعم. ورغم التحذيرات المتكررة من الخبراء والمهندسين، لم تتحرك الحكومة إلا بعد أن تحولت الكارثة إلى مشهد يومي.
ويرى خبراء العمران أن لجنة مدبولي ليست سوى محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، دون تقديم حلول حقيقية. إذ لم يعلن عن أي ميزانية واضحة للترميم أو التعويض، ولا آلية شفافة لتحديد العقارات المستهدفة، وهو ما يفتح الباب أمام مخاوف من استخدام الملف كذريعة لإزالة مناطق كاملة وإخلائها لصالح المستثمرين.
بين التهجير القسري ومصالح المستثمرين
المخاوف الشعبية ليست بلا أساس. فقد تزامنت تصريحات مدبولي مع ظهور جديد لرجل الأعمال الإماراتي محمد العبار، الذي تحدث أمس لـ"القاهرة 24" عن اقتراحه إنشاء صندوق استثماري لتطوير منطقة وسط البلد، بمشاركة مستثمرين محليين وعرب وأجانب.
الربط بين تصريحات رئيس الوزراء ومشروعات العبار أثار الريبة لدى السكان، إذ يخشى كثيرون أن يتحول ملف "العقارات الآيلة للسقوط" إلى أداة لإخلاء وسط القاهرة ومناطق أخرى من سكانها، تحت شعار التطوير. سيناريو التهجير القسري ليس جديدًا، فقد شهدناه من قبل في مثلث ماسبيرو وجزيرة الوراق، حيث جرى طرد آلاف الأسر لتعويض مستثمرين وشركات إماراتية وسعودية حصلت على امتيازات ضخمة.
خبراء يحذرون: التطوير غطاء للخصخصة
عدد من الخبراء والمعماريين انتقدوا هذا التوجه. المهندس جمال عبد الرحيم، الخبير في شؤون الإسكان، أكد أن أي لجنة لا تعلن خطتها وميزانيتها للرأي العام "تصبح مجرد غطاء سياسي"، مضيفًا: "القضية ليست متابعة عقارات متهالكة، بل غياب سياسة عادلة لصيانة المباني الشعبية وتقديم بدائل آدمية للسكان".
بينما أوضحت الدكتورة سناء المصري، أستاذة التخطيط العمراني، أن الخطر الحقيقي يكمن في "خصخصة وسط البلد وتحويله إلى منطقة استثمارية مغلقة"، مشيرة إلى أن تصريحات العبار تكشف نوايا واضحة لجذب رؤوس الأموال على حساب العدالة الاجتماعية.
الخبير الاقتصادي محمود علي أضاف أن الحكومة باتت تعمل "كممثل للمستثمرين الخليجيين" أكثر من كونها ممثلة للمصريين، حيث يتم اتخاذ القرارات وفق مصالح رأس المال، لا وفق احتياجات المجتمع.
مخاوف السكان: التهجير قادم
الأهالي في وسط البلد، وكذلك في أحياء شعبية بالإسكندرية والمنصورة، عبّروا عبر مواقع صحفية عن مخاوفهم من أن تتحول بيوتهم إلى "عقارات آيلة للسقوط بقرار حكومي"، تمهيدًا لإزالتها دون تعويض عادل. "إحنا مش ضد التطوير"، كتب أحد سكان شارع عماد الدين، "لكن التطوير عند الحكومة معناه طرد الناس، وبيع الأرض للمستثمرين".
ويستحضر آخرون تجربة مثلث ماسبيرو: "قالوا لنا تطوير، طلع بيع وتسليم للمستثمرين. النهارده بيعملوا نفس الشيء بوسط البلد".
حكومة تعمل ضد مواطنيها
المحصلة النهائية أن لجنة مدبولي ليست سوى حلقة جديدة في مسلسل السياسات الحكومية التي تخدم المستثمرين الأجانب على حساب المواطنين. فبدلًا من توجيه أموال الدولة لصيانة العقارات وإعادة تأهيلها لصالح الأهالي، يتم استدعاء رجال أعمال مثل محمد العبار لوضع اليد على أعرق مناطق مصر.
وبينما يرفع مدبولي شعار "حماية الأرواح"، يرى المصريون أن ما يجري هو عملية منظمة لإفراغ قلب القاهرة من سكانه الأصليين وتحويله إلى مدينة للأثرياء والسائحين، فيما يدفع المواطن البسيط ثمن السياسات الفاشلة بالتهجير والتشريد.