في خطوة جديدة تثير الغضب الشعبي، خرج رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار، المعروف بشراكته ودعمه للمستوطنين الصهاينة، بتصريحات يدعو فيها إلى إنشاء صندوق استثماري لتطوير منطقة وسط البلد بالقاهرة، بمشاركة مستثمرين عرب وأجانب. وفي الوقت الذي قدمه فيه الإعلام الرسمي على أنه "مشروع تنموي"، يرى خبراء ومعارضون أن ما يجري ليس إلا محاولة لابتلاع قلب العاصمة التاريخي، وتحويله إلى نسخة مشوهة من "داون تاون دبي"، بعيدًا عن أي اعتبارات اجتماعية أو هوية وطنية.
 

مشروع استثماري أم بيع للقاهرة؟
وسط البلد، بما تحمله من رمزية تاريخية وثقافية، تحولت في خطاب الحكومة إلى مجرد "أرض استثمارية شاغرة" في انتظار من يضع يده عليها. العبار، الذي يقف وراء مشاريع عقارية عملاقة في دبي، يظهر وكأنه حصل على تفويض غير معلن لإعادة صياغة القاهرة. لكن الفارق أن دبي بُنيت على فراغ عمراني، بينما القاهرة تحمل قرونًا من الذاكرة والتاريخ.

يرى مراقبون أن المشروع ليس سوى محاولة "خصخصة شاملة" للمدينة، حيث تُعرض المنطقة أمام مستثمرين خليجيين وأجانب في صفقة يباركها النظام الانقلابي، الذي لا يجد غضاضة في بيع الأرض والعمران، بعد أن فرط من قبل في الجزر والموانئ والمجالات الحيوية.
 

وسط البلد.. من الذاكرة إلى المول
وسط القاهرة ليست مجرد مبانٍ قديمة، بل هي شاهد على تحولات مصر من الاحتلال البريطاني إلى ثورة 1919، إلى يوليو 1952 وما بعدها. إفراغ المنطقة من سكانها وتحويلها إلى فنادق ومولات، كما يخطط العبار، يعني ببساطة محو الذاكرة الجمعية للمصريين.

المعارضون يؤكدون أن "التطوير" وفق هذا النمط لا يخدم إلا طبقة ضيقة من الأثرياء والسائحين، بينما يُقصى المواطن العادي الذي صنع تاريخ المكان.
 

خبراء: تهديد مباشر للهوية
الدكتور حافظ غانم، خبير الاقتصاد، يرى أن تحويل وسط البلد إلى منطقة استثمارية مغلقة هو "جريمة حضارية"، مشيرًا إلى أن الحكومة تحولت من حامية للموروث إلى سمسار يفرط فيه.

أما المعماري عمرو حلمي، فيقول إن المشروع يفتقد إلى أي رؤية للتنمية البشرية أو الحفاظ العمراني: "هذا ليس تطويرًا، بل استبدال سكان وأحياء كاملة بمشروعات إسمنتية باردة".

وتضيف الناشطة منى مينا أن ما يحدث ليس سوى شكل آخر من أشكال التهجير القسري، حيث يُدفع السكان بعيدًا عبر رفع الإيجارات والأسعار، ليُترك قلب القاهرة لطبقة رجال الأعمال والمستثمرين الخليجيين.
 

النظام والعبار.. شراكة مريبة
المثير للجدل أن تصريحات العبار تتزامن مع تحركات حكومية واسعة لنقل المباني الحكومية من وسط القاهرة إلى العاصمة الإدارية، تمهيدًا لإخلاء المنطقة وتسليمها لـ"المطورين". بهذا الشكل، يصبح المشروع جزءًا من مخطط أوسع لبيع القاهرة قطعة قطعة.

النظام الذي يرفع شعارات "الحفاظ على الهوية" هو نفسه الذي يفتح الأبواب لرجل أعمال إماراتي كي يقرر مستقبل وسط البلد، بينما المصريون الذين عاشوا وتوارثوا المكان يُقصون تمامًا من النقاش.
 

غضب شعبي: "القاهرة ليست للبيع"
بينما تحتفي وسائل الإعلام الموالية بالعبار وتصفه بـ"رجل التنمية"، يتصاعد الغضب بين المواطنين الذين يرون في خططه نوعًا من الاستعمار الاقتصادي الجديد. ناشطون شبّهوا المشروع بمحاولة تحويل القاهرة إلى "مدينة أشباح فاخرة"، بلا حياة شعبية ولا روح مصرية.

يقول أحد سكان المنطقة: "نحن لا نحتاج إلى مولات جديدة، نحن نحتاج إلى مدارس ومستشفيات وبنية تحتية. وسط البلد لنا، ليست للعبار ولا لغيره".

ومن جهته، تساءل إسماعيل حسني: "محمد العبار ومن وراء محمد العبار؟".
https://x.com/IsmailHosny1/status/1965014104743039450

وأشار محمد علي: "بإذن الله، كل أموالك بمصر هتتّم بس الصبر".
https://x.com/mohamed78412615/status/1964840874082484577

وقال "كهربائي تويتر": "كان يقال الفلسطيني باع أرضه للـ ـيهـ ـود، لكن الحقيقة أن مصر تُباع لهم بشكل علني أمام أعين الجيش والشرطة والقضاء والإعلام عن طريق الكحول الإماراتي، والشعب في سبات عميق".
https://x.com/styhex2007/status/1964844027964215429

وأضاف أحمد: "أخدنا الأطراف، ندخل على القلب. وكأننا متبنجين!! إحنا في كابوس، أقسم بالله".
https://x.com/braa19621/status/1964813473931727057

ولفت إسلام: "تعديل: الاحتلال الصهيوني حصل على فرص استثمارية كبيرة على ساحل البحر الأحمر، ويقوم بالبحث عن فرص أخرى في وسط البلد بعد سحب شقق الإيجار القديم".
https://x.com/islamsabry79/status/1964837148999495903
 

العبار.. تاريخ من التطبيع الصهيوني
في ديسمبر من عام 2020، ظهر فيديو لرجل الأعمال محمد العبار، خلال مؤتمر اقتصادي "إماراتي – صهيوني" على هامش مؤتمر جيتكس التقني، يدعو فيه إلى إقامة علاقات عائلية بين الصهاينة والإماراتيين قبل العلاقات الاقتصادية، وقال: "تعالوا إلى منزل أمي، عليك لقاء أمي، وعليّ لقاء أمك... يجب على أطفال الإمارات التعرف على أطفال أصدقائنا في الكيان الصهيوني، يهمني تكوين علاقات عائلية قبل الاقتصادية".

وقبل حتى تطبيع العلاقات بين الإمارات والاحتلال الصهيوني، وتحديدًا في عام 2018، شارك العبار في مبادرة يقودها رجل الأعمال الصهيوني موتي بن موشيه، لتوفير الغذاء لفقراء الكيان الصهيوني، ومن بينهم العائلات الفقيرة في المستوطنات -غير القانونية- في القدس المحتلة.

كما كشف موقع "كلكالست" (Calcalist) الاقتصادي العبري أن العبار انضم لمبادرة بن موشيه التي بدأت عام 2003، لكن في عام 2018، أي قبل عامين من إعلان التطبيع، وفّر العبار الغذاء من خلال تلك المبادرة لفقراء الاحتلال، خاصة في المستوطنات داخل القدس الشرقية، مثل جبل المكبر وسلوان.

البرنامج، الذي أُبقي طي الكتمان طوال فترة تنفيذه، شارك في تمويله عدد من رجال الأعمال ذوي النفوذ، بينهم الملياردير البريطاني اليهودي من أصل روسي لين بلوفتنيك، والمستثمر الروسي-الصهيوني يتسحاق ميريلشفيلي، إلى جانب مؤسسة تُعرف باسم "صندوق الصداقة".

ووفقًا للتقارير، كان العبار واحدًا من خمسة ممولين رئيسيين للمبادرة، التي استمرت نحو 18 عامًا، ووُزعت من خلالها مساعدات غذائية بقيمة تجاوزت 550 مليون شيكل على آلاف العائلات، من بينها مستوطنات.
 

استثمارات العبار في مصر
تنامت بشكل ملحوظ خلال عهد السيسي، إذ نفذت "إعمار" مشروع "كايرو جيت" على مساحة 133 فدانًا بطريق مصر–إسكندرية الصحراوي، باستثمارات بلغت 11.5 مليار جنيه. كما افتتحت في عام 2021 أول ميناء دولي لليخوت في الساحل الشمالي، يمتد على مساحة 1.16 مليون متر مربع، بطاقة استيعابية 267 يختًا، ويضم خمسة فنادق، وأكثر من 2500 وحدة سكنية، بإجمالي استثمارات تخطت 24 مليار جنيه.

وفي أغسطس 2023، وقعت شركة "إيجل هيلز" العقارية، المملوكة للعبار، عقدًا مع "أوراسكوم للإنشاءات" بقيمة 1.92 مليار جنيه لتنفيذ المرحلة الأولى من مشروع "سول لاكشري بيتش ريزورت" في الساحل الشمالي. في حين أطلقت "إعمار" في فبراير الماضي مشروعًا جديدًا في القاهرة الجديدة تحت اسم "ميفيدا الجديد"، على مساحة 500 فدان باستثمارات تقارب 100 مليار جنيه.

أما من حيث الأداء المالي، فقد سجلت الشركة في النصف الأول من عام 2025 صافي أرباح بلغت 3.9 مليار جنيه، مقارنة بـ7.5 مليار في نفس الفترة من العام السابق، مما يعكس تراجعًا ملحوظًا. في المقابل، ارتفع إجمالي الأصول حتى نهاية ديسمبر الماضي إلى أكثر من 148 مليار جنيه، بينما بلغ إجمالي الالتزامات وحقوق الملكية نحو 168 مليار جنيه بنهاية الربع الثاني من هذا العام.

وتزامن هذا التوسع مع مساهمات اجتماعية، إذ كشف التقرير السنوي لشركة "إعمار العقارية" عن تبرعات بلغ مجموعها نحو 5.4 مليون درهم إماراتي (ما يقارب 70 مليون جنيه مصري) خلال عام 2024، وُجهت لعدة جهات داخل مصر، من بينها صندوق "تحيا مصر" الذي حصل على ما يقارب 10.8 مليون جنيه، ومؤسسة "مصر الخير" التي تلقت نحو 24.3 مليون جنيه، بالإضافة إلى 35.1 مليون جنيه خُصصت لمبادرات غير معلنة.

وأخيرًا، فما يجري اليوم ليس مشروع تطوير، بل عملية ابتلاع ممنهجة لقلب القاهرة تحت رعاية النظام الانقلابي. فالصهيوني محمد العبار ليس مجرد مستثمر، بل أصبح رمزًا لهيمنة المال الخليجي على القرار المصري.

وسط البلد ليست ملكًا لحكومة تفرط في كل شيء، بل هي ملك لشعب صنعها وعاشها.

ويبقى السؤال: هل ستتحول القاهرة إلى نسخة من دبي؟ أم سيقاوم المصريون هذا المخطط الذي يسعى لمحو تاريخهم مقابل استثمارات لا تعود عليهم بشيء؟