ذكرت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، رانيا المشاط، أن مجلس النواب وافق على زيادة مخصصات قطاع الصحة بنسبة 65٪ في الموازنة الجديدة.
وقد استُقبل هذا التصريح بموجة من الانتقاد على مواقع التواصل؛ إذ شكك معارضون ومهنيون في أن هذه الزيادة ترجمت إلى تحسين ملموس في الخدمات الصحية أو مرافق العلاج.
 

بيانات النفقات: زيادة رقمية لا تعني فعليًا تحسين جودة
بحسب بيانات رسمية، يصل الإنفاق الكلي على قطاع الصحة إلى ما يقرب من 618 مليار جنيه، لكنها تشمل مكونات متنوعة مثل الإنفاق على علاج المواطنين خارج البلاد، مما يعكس اندفاعًا ماليًا أكثر منه تعزيزًا داخليًا للجودة الطبية.

وبحسب إحصاءات دولية، مازال نصيب الحكومة من الإنفاق الصحي لا يتجاوز 3.0% من الناتج المحلي الإجمالي، ويراوح بين 6% و7% من إجمالي الموازنة الحكومية.
رغم أن الأرقام المطلقة ترتفع، فإن الحصة النسبية من الإصلاح لا تزال ضئيلة وقد تعكس ضعفًا في التمويل الفعّال.
 

الواقع الميداني: تراجع في جودة الخدمة وخصخصة مقلقة
على الأرض، يعاني المواطنون المصريون من نقص حاد في عدد الأسرة بنسبة 1.4 سرير لكل 1000 نسمة، مقارنةً بالمعايير العالمية التي تتراوح حول 2.9.
كذلك، رحّب القطاع الخاص بدخول واسع إلى المستشفيات الحكومية بعدما أُقر قانون عام 2024 يسمح بتأجير وتشغيل هذه المنشآت، في ظل اعتراض نقابة الأطباء.

الموازنة، وإن زادت، لم توفّر تجهيزات كافية في المستشفيات الحكومية، حيث نصف المستشفيات الحكومية تفتقر لمعايير السلامة ومكافحة العدوى، مع خروج عدد كبير منها إلى القطاع الخاص.
كذلك، دفع المواطنون في بعض الأحيان حتى 60٪ من نفقات الرعاية الصحية مباشرة من جيوبهم.
 

آراء الأطباء والمهنيين
الأطباء عبروا عن استيائهم من أن الزيادة المعلنة لم تُترجم إلى تحسين بيئة العمل أو توفر الأدوية والمستلزمات. فالكثير من المرافق تعمل بنصف طاقتها بسبب نقص الموارد البشرية والمعدات الأساسية، بينما يضغط قانون الخصخصة نحو تحويل المستشفيات إلى أرباح بدل خدمات.

ومن جهتها أكّدت الدكتورة منى مينا، وكيل نقابة الأطباء، في تصريح صحفي أن التوسع في مشروع التأمين الصحي الجديد يحمل مخاطر حقيقية، حيث قالت: "مشروع التأمين الصحي يفتح الباب لخصخصة المستشفيات الحكومية". ونوّهت إلى أن قانون التأمين الحالي يفتقد إلى آليات تضمن أن يكون شاملاً واجتماعيًا، وليس وسيلة لتحقيق أرباح.

كما شدّد الطبيب وأستاذ الجراحة بجامعة المنصورة، محسن الوكيل، بضرورة التوقف عند هذه الأرقام المتفائلة، قائلاً: "نحن نعمل بنصف طاقتنا نتيجة نقص الموارد البشرية والمعدات"، في إشارة إلى أن الزيادة في الموازنة لم تشهد ترجمة فعلية على الأرض.

أما د. منصور مينا، طبيب من الصعيد، فقال: "نصف المستشفيات الحكومية تفتقر لمعايير السلامة ومكافحة العدوى"، ما يجعل الزيادة العامة وهمًا لا أكثر.

ومن بين الخبراء، أشار العضو السابق في وزارة الصحة، د. سامي الزهيري، إلى أن "نصيب الصحة من الناتج المحلي لا يزال منخفضًا رغم المكاسب النسبية"، موضحًا أن مصاريف العلاج بالخارج- ضمن الإنفاق الصحي الرسمي- تضخّم الأرقام دون تحسين الرعاية المحلية.

أما الخبير الاقتصادي د. فهد العرابي، فاعتبر أن التركيز على الإنفاق النسبي دون مراعاة جودة الخدمات، هو "تخدير شعبي"، بينما الواقع يعكس "تضخيمًا في الأرقام يتجاهل المستشفيات التي ما زالت تُباع أو يُشغّلها أصحاب القطاع الخاص تحت مظلة العجز الحكومي".

في الوقت ذاته، أكّد الأستاذ في معهد التخطيط، د. ياسر محمود، أن مخصصات الصحة رغم نموها، "لم تتجاوز 6–7٪ من مجموع الموازنة"، وهو مستوى لا يكفي لسد فجوة الخدمات الأساسية وتحسين البنى التحتية.
 

تحليل: الأرقام والحقيقة
الحديث عن "زيادة 65٪" لا يغطي الواقع. فحتى لو ارتفع الرقم الإجمالي، إلا أن نسبة الموازنة الوطنية المخصصة للرعاية الصحية ما زالت منخفضة، كما أن الفجوة بين توجه السياسات والواقع الميداني ظلت واسعة.
زيادة الإنفاق لكن على حساب تطوير البنية الأساسية أو تحسين الجودة هو "زيادة وهمية" لا تأثير لها على المواطن.
 

المواطن ليس محورًا فعليًا
نجاح أي تصريحات عن "محورية المواطن" يقاس بمدى تأثير السياسات على حياته اليومية. لكن خروج الوزير وتصريحاته بهذا الشكل تظهر فجوة بين التوجه الرسمي والممارسة الحقيقية.
الإصلاح الحقيقي يتطلب توجيه التمويل نحو التجهيزات، التوسع في الرعاية الأولية، إعطاء الأولوية للصحة العامة بدلاً من الربح، وضمان وصول الخدمات العلاجية للمحتاجين دون جهد أو تكلفة استثمارية ضخمة.