أثار قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتجميد اتفاقية الغاز الموقعة مع مصر، والبالغة قيمتها 35 مليار دولار، جدلًا واسعًا حول جدوى هذه الصفقة من الأساس، وحول قدرة القاهرة على حماية مصالحها الاقتصادية في مواجهة تعنت تل أبيب.
فبينما تعاني مصر من أزمات طاقة وديون متفاقمة، وجدت نفسها تشتري الغاز من إسرائيل بأسعار ضخمة تمتد حتى عام 2040، لتكتشف اليوم أنها لا تملك حتى القدرة على إلزام الطرف الآخر بالوفاء بتعهداته.
ويرى الخبير الاقتصادي جيسون توفري (Capital Economics) أن "رهان مصر على الغاز الإسرائيلي جعلها مكشوفة أمام لعبة سياسية يتحكم فيها نتنياهو"، وهو ما يثير شكوكًا حول كفاءة إدارة ملف الطاقة المصري.
صفقة المليارات تحت رحمة نتنياهو
في أغسطس الماضي، عدّلت القاهرة اتفاقها مع إسرائيل لتضيف 130 مليار متر مكعب من الغاز إلى العقود السابقة، ما رفع إجمالي الإيرادات المتوقعة إلى 35 مليار دولار، مع تمديد التوريد حتى 2040.
لكن قرار نتنياهو بتجميد الصفقة كشف هشاشة هذه الترتيبات، وأكد أن إسرائيل لا تنظر إليها كشراكة استراتيجية بقدر ما تعتبرها ورقة مساومة في صراعها مع القاهرة بشأن غزة وسيناء.
وهنا يعلّق الدكتور مصطفى عبدالسلام، الباحث الاقتصادي: "من غير المنطقي أن تدفع مصر هذه المبالغ الطائلة بينما لا تمتلك ورقة ضغط واحدة لإجبار إسرائيل على الالتزام، إنها صفقة غير متكافئة منذ البداية".
كامب ديفيد كذريعة وإسرائيل الطرف المستفيد
بررت تل أبيب قرار التجميد بما اعتبرته "انتهاكات مصرية" لبنود الملحق الأمني لاتفاقية كامب ديفيد، متهمة القاهرة بإدخال قوات إضافية إلى سيناء وبناء أنفاق وتوسيع مطارات.
غير أن هذا التبرير لا يخفي حقيقة أن إسرائيل نفسها خرقت الاتفاقية مرارًا، خصوصًا عندما احتلت محور فيلادلفيا خلال هجومها على جنوب غزة في مايو 2024.
ويقول المحلل السياسي ستيفن كوك (مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي): "إسرائيل تستخدم كامب ديفيد كأداة ضغط وقتما تشاء، بينما مصر تبدو عاجزة عن فرض أي التزام متبادل، ما يجعلها في موقف الطرف الخاسر رغم الأموال الهائلة التي دفعتها".
مصر تبحث عن بدائل بعد صفعة التجميد
مع تراجع الكميات المستوردة من الغاز الإسرائيلي بنحو 100 مليون قدم مكعب يوميًا مؤخرًا، بدأت مصر تبحث عن بدائل عبر استيراد الغاز المسال من دول أخرى وتسريع عمليات التنقيب المحلية.
ورغم تصريحات المسؤولين عن وجود خطط بديلة واتفاقات مع قبرص لربط حقول الغاز بمحطات الإسالة المصرية، فإن الواقع يكشف مأزقًا استراتيجيًا: دولة بمكانة مصر تُركت في مواجهة تقلبات مزاج نتنياهو بعد أن رهنت جزءًا من أمنها الطاقوي لخصم سياسي وعسكري.
وهنا يؤكد حسام بدراوي، المحلل المصري، أن "الاعتماد على خصم استراتيجي في ملف حساس كالطاقة أشبه بالمقامرة، والآن بدأت مصر تدفع ثمن هذه المقامرة".
انعكاسات على المواطن المصري
الخطورة الأكبر لهذه الصفقة لا تتعلق فقط بالغاز، بل بانعكاساتها على المواطن المصري الذي يعيش تحت وطأة تضخم متصاعد وديون متراكمة.
فبينما تُهدر مليارات الدولارات في عقود مع إسرائيل لا تعود بالنفع المباشر على الداخل، يجد المواطن نفسه يدفع ثمن الفشل في صورة ارتفاع الأسعار، وانقطاع الكهرباء، وأزمات متكررة في الطاقة.
ويعلّق البروفيسور تيموثي كالتاس (الجامعة الأمريكية بالقاهرة): "السياسات الطاقوية في مصر لا تعكس أولوية المواطن بقدر ما تخدم التزامات مالية وسياسية خارجية، وهذا يجعل المصري العادي هو الخاسر الأكبر".
لقد تحولت الصفقة إلى رمز لسياسة ترهق الشعب وتُبقيه في دائرة مفرغة من الأزمات الاقتصادية، بينما تمنح إسرائيل أوراق قوة جديدة.