أعلنت إثيوبيا في بداية يوليو 2025 إكمال أعمال بناء سد النهضة، ونقلت وكالات أنباء دولية أن الحكومة الإثيوبية تستعد لافتتاح رسمي مقرّر في سبتمبر 2025، هذا الإنجاز يعيد تشكيل خريطة القوة المائية في حوض النيل ويضع القاهرة أمام واقعٍ لا رجعة فيه.

تداولت صفحات عربية وتصريحات حكومية إثيوبية تصريحات منسوبة إلى وزير الدولة للمالية أيوب تكالين تفيد بأن اكتمال السد «أنهى عار الحديث عن النيل» وأن إثيوبيا «مستعدة لمواجهة أي معارض لمصالحها الوطنية».

تصريح يعكس ثقةً رسمية صريحة بأن مشروع الخرطوم/أديس أبابا أنهى منعطفاً تاريخياً في قدرة إثيوبيا على التحكم في المياه الممتدة نحو الدول المنخفضة، تصريحات تكالين هذه رُفقت بتغطية رسمية ومحلية في أيام إعلان الاكتمال.
 

الجدول الزمني لافتتاح السد
أعلنت الحكومة الإثيوبية عن موعد افتتاح رسمي في سبتمبر 2025؛ وكان رئيس الوزراء آبي أحمد قد أكد في جلسات برلمانية واستعراضات عامة أن الاحتفالات ستجري في فصل الأمطار المتأخر، ما يجعل تاريخ 9 سبتمبر 2025 مؤشراً رمزياً للافتتاح.

كما ذكرت تقارير صحفية أن المشروع دخل مرحلة التشغيل الكامل بعد توربينات متعددة دخلت الخدمة بين 2022 و2025.
 

الوقائع الفنية.. أثر ملموس
السد يُعد الأكبر في أفريقيا: طول القاعدة نحو 1.8 كم وارتفاع يقارب 170 م، وسعة الخزان الإجمالية تُقدَّر بحوالي 74 مليار متر مكعب، والقدرة التوليدية المصممة تصل إلى حوالى 5–6 آلاف ميغاواط عند اكتماله الكامل، أرقام تغييرية تُحوّل إثيوبيا إلى مصدر طاقة إقليمي محتمل.

ملء الخزان تمّ على دفعات؛ عمليات الملء الأولى بدأت في 2020 وتتابعت دفعاتٌ لاحقة حتى اكتمال التخزين الكبير قبل 2025.
 

دلالة تصريحات تكالين في هذا التوقيت
السد من المقرر أن يُفتتح رسمياً خلال سبتمبر 2025، وهو حدث مهم ليس فقط لمصر والسودان بل للقارة الأفريقية بأكملها.

جاء توقيت هذا الافتتاح في ظِل تعثر المفاوضات التي شهدت الكثير من المحاولات الفاشلة بسبب المواقف المصرية المتشددة، خصوصاً في عهد السيسي الذي أصرّ على حصص مياه معينة دون مرونة أو تفهم لحاجة إثيوبيا التنموية.

إثيوبيا الآن جاهزة لوضع السد في الخدمة، وكأنها تقول إن فرص المفاوضات أُغلقت، وأنها ستبدأ مرحلة جديدة من الإدارة الوطنية لمواردها المائية بحزم.

التصريحات الرسمية العالية النبرة عند إعلان الاكتمال ليست مجرد احتفال تقني؛ إنها رسالة إستراتيجية: إثيوبيا تريد إظهار أنها نجحت في مشروع وطني يغيّر ميزان التفاوض، وأن أي محاولة لعرقلة التشغيل ستواجه «التصميم» السياسي والاقتصادي.

في هذا السياق، كلام تكالين يعكس تحوّلًا في المزاج الإثيوبي.. من التطلّع والمطالبة إلى الفعل والتمكين.
 

لماذا كان السيسي السبب الأساسي في ضياع فرص التوصل إلى اتفاق؟

  1. لهجة «الخطوط الحمراء» ورفع سقف المطالب: قائد الانقلاب العسكري المصري عبد الفتاح السيسي كرّر مرارًا أن قضايا المياه «خط أحمر» وهدّد بأن كل الخيارات واردة إذا تأثّرت مياه مصر، وهو ما زاد من تصعيد الخطاب وساهم في جعل الساحة الدبلوماسية أكثر توتراً وأقل مرونة للتسوية الوسطية.

هذا النوع من الخطاب ثبت أنه ضيّق هامش المناورة للتفاهم.

  1. إصرار على اتفاق ملزم قانونياً كمطلب مسبق: القاهرة طالبت بعقود قانونية ملزمة تخصّص جداول تفريغ مياه واضحة أثناء الجفاف، بينما صمّمت أديس أبابا ملء وتشغيلًا تدريجيين يخدمان برامجها التنموية؛ هذا التناقض في الأهداف والفُرَق في مقاربة «الملزم قانونياً» ضد «السيادة التشغيلية» عرقل قدرة الوسطاء على بناء صيغة توافقية.

  2. الاعتماد على الضغوط الدبلوماسية والإقليمية بدل الحل التقني: انتقلت القاهرة إلى حملات دبلوماسية وطرح مخاطر قانونية وإقليمية، بينما نجحت إثيوبيا في تعبئة دعم إقليمي ودولي من دول حوض النيل وبعض الشركاء الإقليميين، مما أفقد مصر رصيد التفاوض بالميدان التقني والعلمي.

 

من الخسارة السياسية إلى الخيارات البديلة
إذا كان هناك خطأ مصري مركزي فهو تحويل ملف المياه إلى ساحة سياسية مغلقة ومتحفّظة بارتياد «الخطوط الحمراء» بدلاً من الانخراط في تفاهمات تقنية مفصلة وإدارة أخطار مناخية مشتركة.

النتيجة؛ انهيار هامش التوافق الذي كان يُمكن أن يبطئ الملء الكامل أو يضمن آليات تشغيل طارئة تَحمي حصة القاهرة في مواسم الشحّ.

ومع اكتمال السدّ، تبقى خيارات مصر إدخال حلول تكيّفية وطنية (تحلية، إعادة تدوير، تحديث الري) أو البحث عن صيغ تفاوضية جديدة مع واقع سياسي إقليمي مختلف.