تصدرت مصر المشهد العالمي لعام 2025 بنسبة قياسية بلغت 72% في عمليات الولادة القيصرية، متجاوزة التوصيات الطبية العالمية التي تحدد الحد الأقصى المثالي عند 15%.

هذا الرقم المفزع يسلط الضوء على أزمة صحية تمتد جذورها في النظام الطبي والاجتماعي، ويشير إلى إخفاقات سياسية واقتصادية في إدارة القطاع الصحي في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.

 

ارتفاع غير مبرر وتداعيات خطيرة

بدأت معدلات الولادة القيصرية في مصر بالارتفاع التدريجي منذ عام 2008، إذ كانت تبلغ 28%، ثم قفزت إلى 52% عام 2014، لتصل في 2021 إلى 72%، بحسب ما حذرت عبلة الألفي، نائبة وزير الصحة لشؤون السكان وتنمية الأسرة، في تصريحاتها الإعلامية والتوعوية الصادرة في سبتمبر 2025.

الألفي وصفت الولادة القيصرية غير الضرورية بأنها "كارثة طبية" لما تسببه من مضاعفات صحية للمولود، مثل ارتفاع مخاطر الإصابة بالسمنة، وتأثيرات سلبية على صحة الأم.

هذه الظاهرة تعكس إخفاق النظام الصحي في توفير الرعاية والوعي الكافيين، مما يرفع الأعباء الاقتصادية على الدولة، حيث قدرت تكلفة الولادات القيصرية بصفتها أعباء مالية ضخمة تصل إلى عشرات المليارات من الجنيهات سنوياً.

 

غياب التوعية والفشل الحكومي

تشير النائبة عبلة الألفي إلى تراجع التوعية الشعبية بأهمية الولادة الطبيعية، مشيرة إلى تحولات ثقافية سلبيّة تعزز تفضيل العمليات القيصرية بغرض تجنب آلام الولادة الطبيعية، رغم ما تحمله الولادة القيصرية من مخاطر.

وأوضحت أن العديد من الفتيات لا يعرفن بالمخاطر الصحية المترتبة على الولادة القيصرية المتكررة.

في المقابل، هناك انتقادات لسياسات الحكومة التي فشلت سابقاً في إنشاء بيئة صحية متكاملة، مع افتقار مستشفيات القطاع الحكومي للخصوصية والأمان، وقلة عدد الكوادر الطبية بالمقارنة مع الكثافة السكانية المتزايدة.

كما يفاقم ضعف الرقابة على المنشآت الطبية الخاصة المشكلة بتصاعد عمليات الولادة القيصرية غير المبررة طبياً.

 

ثمن القيصرية.. تكلفة مادية وصحية واجتماعية

الولادة القيصرية لا تكلف الأسر فقط بل تترك أثراً على النظام الصحي العام، كدخول الحضانات، زيادات في معدلات الرعاية المركزة للأطفال حديثي الولادة، وأعباء مالية على العائلات (تكلفة قيصريات في القطاع الخاص قد تكون أعلى بكثير من الولادة الطبيعية في المستشفيات الحكومية).

كما أن الولادات القيصرية المتكررة تزيد من مخاطر النزف ومضاعفات لأم المستقبل. هذه التكاليف تتراكم اقتصادياً واجتماعياً.

 

إجراءات تنظيمية جزئية وغير كافية

رداً على هذا التصاعد، أعلنت وزارة الصحة المصرية في 29 أغسطس 2025 عن حزمة إجراءات تنظيمية جديدة مُلزمة للمنشآت الطبية الخاصة، تشمل تقديم تقارير إحصائية شهرية عن إجمالي الولادات، ونسبة الولادات القيصرية مع تحليل دقيق للأسباب، كما كُلفت مديريات الصحة بمتابعة التطبيق وتقييم الأداء.

رغم هذه الخطوات، قال خبراء ومبادرات مصرية مستقلة إن هذه الإجراءات "إيجابية لكنها غير كافية"، واعتبروا أن التركيز على خفض النسب دون معالجة ثقافة الولادة والعوامل الاجتماعية والاقتصادية سيؤدي إلى محاولات التحايل من الأطباء وأحياناً إجبار النساء على خيارات طبية غير مناسبة لصحتهن.

دعا برلمانيون مثل الدكتور أيمن أبو العلا، وكيل لجنة حقوق الإنسان، إلى تعزيز حملات التوعية وتشجيع الولادة الطبيعية، مع متابعة دقيقة من وحدات طب الأسرة.

ورصد أن ارتفاع نسبة الولادة القيصرية يزيد من الأعباء الصحية والمالية على الأسر والدولة، مؤكدًا أهمية دعم مبادرات مثل "بداية آمنة" للحد من العمليات غير الضرورية.

ومع ذلك، يظل الوضع محاطا بانتقادات لفشل الحكومة في معالجة قضايا الصحة العامة بكفاءة في ظل نقص الموارد، وعدم اهتمام كاف بسياسات الرعاية الصحية الشاملة التي تعود بالنفع على الأفراد والمجتمع.

 

خلاصة

تتصدر مصر وللأسف قائمة أعلى دول العالم في نسب الولادة القيصرية بنسبة تجاوزت 72%، وهو رقم ينذر بأزمة صحية حادة متجذرة في تجاوزات النظام الطبي والحكومي.

تحذيرات نائبة وزير الصحة عبلة الألفي تكشف أبعاد الكارثة الطبية والاجتماعية التي تتحملها الأمهات والأطفال بسبب تدخلات جراحية غير مبررة، متسببة بمضاعفات خطيرة وتكاليف باهظة على الدولة.

الحلول التي بدأت الحكومة في تطبيقها حتى سبتمبر 2025، رغم أهميتها، تبقى مجرد خطوات أولية تحتاج لدعم شامل يُعيد بناء الوعي الصحي والثقافة التوعوية، ويعالج جذور الأزمة في البنية التحتية الصحية والرقابة الفعالة، وإصلاح القطاع الطبي العام والخاص على حد سواء.

الفشل في ذلك سيبقي مصر عالقة في هذا السجل المخيف، مع استمرار تداعيات صحية واجتماعية واقتصادية يصعب علاجها.