بينما تستعد إثيوبيا لإقامة حفل ضخم لتدشين سد النهضة رسمياً في التاسع من نوفمبر المقبل، يطفو على السطح سؤال جوهري: هل جاءت التحركات المصرية – السودانية متأخرة بعد أن بات السد أمراً واقعاً؟ كثير من الخبراء يرون أن الوقت قد فات بالفعل، وأن إثيوبيا استطاعت فرض سياستها الأحادية رغم التحذيرات والمفاوضات الطويلة التي استمرت أكثر من 13 عاماً.
فقد شهدت القاهرة، خلال الأيام الماضية، مباحثات مكثفة بين وزيري الخارجية والموارد المائية في مصر والسودان، بدر عبد العاطي وهاني سويلم من الجانب المصري، وعمر صديق وعصمت قرشي من الجانب السوداني، لبحث الموقف المشترك من التطورات الأخيرة بشأن السد. وانتهت اجتماعات آلية (2+2) إلى تأكيد أن الأمن المائي للبلدين "جزء واحد لا يتجزأ"، مع رفض قاطع للتشغيل الأحادي للسد واعتباره تهديداً خطيراً لاستقرار حوض النيل الشرقي.
مخاوف من المخاطر الجسيمة
حذّر الجانبان من "المخاطر الجسيمة" المترتبة على الملء والتشغيل غير المنسق، سواء على سلامة السد ذاته أو على تدفقات المياه وأوضاع الجفاف. وأكد الطرفان تمسكهما باتفاقية 1959، التي تحدد حصص المياه، مع التوجه إلى المحافل الدولية لمواجهة الموقف الإثيوبي.
الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، أكد أن التأثير الحقيقي لسد النهضة بدأ منذ عام 2020 مع الملء الأول، وليس مع الافتتاح المنتظر.
وأضاف أن إثيوبيا تمكنت خلال 5 سنوات من تخزين نحو 64 مليار متر مكعب من المياه، كان من المفترض أن تصل إلى بحيرة ناصر، ما كبّد مصر أضراراً مباشرة في فترات عانت فيها من عجز مائي واضح.
بعد فوات الأوان
ورغم أن الافتتاح الرسمي للسد في 9 نوفمبر يعني بدء تشغيل التوربينات لتوليد الكهرباء، أي إعادة جزء من المياه المخزنة إلى مجرى النيل عبر السودان ثم مصر، إلا أن شراقي يرى أن الأزمة الجوهرية لم تنتهِ، لأن إثيوبيا فرضت الأمر الواقع من دون اتفاق قانوني ملزم مع دولتي المصب.
وأكد أن الحديث عن انتهاء الأزمة "وهم"، لأن إعادة ملء البحيرة بعد كل دورة تشغيل يظل بحاجة إلى تنسيق دقيق بين الدول الثلاث.
تحذيرات من مشاريع جديدة
كما حذّر شراقي من تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الأخيرة حول نية بلاده بناء سدود كبرى جديدة على النيل، مشيراً إلى أن ذلك يعكس إصرار إثيوبيا على التعامل مع النهر باعتباره مورداً داخلياً، متجاهلة حقوق دول المصب، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام أزمات جديدة أكثر تعقيداً.
بين السياسة والعسكر
وفي السياق نفسه، لم يستبعد خبير الأمن الإقليمي اللواء محمد عبد الواحد الخيار العسكري إذا ما ثبت أن السد يهدد وجود مصر بشكل مباشر، مؤكداً أن "كل الوسائل متاحة للدفاع عن الحقوق المائية"، لكن مع الإقرار بأن الظروف الدولية والإقليمية تجعل هذا الخيار صعباً ومعقداً.
إثيوبيا: مشروع سيادة وتنمية
في المقابل، يواصل آبي أحمد إطلاق رسائل إيجابية من موقع السد، واصفاً المشروع بأنه "تحول استراتيجي" يعيد بلاده إلى قلب معادلة القوة الإقليمية.
وأكد أن السد سيسهم في منع الفيضانات وضمان تدفق المياه طوال العام، بل وتعزيز الترابط الاقتصادي بين دول المنبع والمصب.
أزمة مفتوحة
ومع اقتراب موعد التدشين، يتضح أن مصر والسودان لا تزالان متمسكتين بمطلب التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم، بينما تصر إثيوبيا على سياسة فرض الأمر الواقع.
وبين الموقفين، يظل المشهد مفتوحاً على احتمالات أكثر تعقيداً، خصوصاً أن الافتتاح الرسمي في 9 نوفمبر يأتي "بعد فوات الأوان"، وفق تعبير خبراء يرون أن إثيوبيا حسمت معركة السد فعلياً، فيما تبحث دولتا المصب عن مسارات ضغط قد لا تأتي بنتائج ملموسة.