أثار الإعلان عن انضمام طحنون بن زايد، مستشار الأمن الوطني الإماراتي ورجل الأعمال النافذ، إلى هيئة المتحف المصري الكبير، عاصفة من التساؤلات والانتقادات.
الخطوة التي وُصفت بأنها "فرض إجباري" من النظام المصري، تعكس بوضوح حجم النفوذ الإماراتي المتزايد داخل المؤسسات المصرية، حتى تلك التي ترتبط بالهوية الثقافية والتاريخية للبلاد.
كيف لرجل أمن واقتصاد إماراتي أن يُصبح عضوًا في أهم مؤسسة متحفية في العالم العربي، دون أن يكون له أي صلة أكاديمية أو مهنية بالآثار؟
 

قرار مسيّس لا علاقة له بالثقافة
المتحف المصري الكبير مشروع قومي طال انتظاره، وكان يُفترض أن يُدار من قبل نخبة من علماء الآثار والمصممين والمتخصصين في المتاحف.
لكن إدخال شخصية مثل طحنون بن زايد يكشف أن الاعتبارات الثقافية والأكاديمية باتت آخر ما يفكر فيه النظام المصري.
القرار سياسي بامتياز، يعكس طبيعة العلاقة بين القاهرة وأبوظبي، حيث تُمنح المقاعد والعضويات كنوع من ردّ الجميل للدعم المالي والسياسي، لا باعتبار الكفاءة أو الخبرة.
 

الإمارات تبتلع المؤسسات المصرية
وجود طحنون في هيئة المتحف ليس حالة استثنائية.
الإمارات خلال السنوات الأخيرة بسطت نفوذها على قطاعات متعددة داخل مصر:

  • استحوذت شركات إماراتية على حصص ضخمة في الموانئ والبنوك والطاقة.
  • دخلت في صفقات مثيرة للجدل لشراء أراضي الساحل الشمالي بمساعدة وزراء مصريين نافذين.
  • أحكمت قبضتها على الإعلام المصري عبر استثمارات مباشرة وغير مباشرة.

إضافة طحنون إلى المتحف المصري الكبير يأتي كحلقة جديدة في هذا المسار: السيطرة الناعمة على رموز الثقافة والهوية المصرية.
 

من الثقافة إلى الأمن… ماذا يفعل طحنون هنا؟
طحنون ليس شخصية أكاديمية أو مثقفًا مهتمًا بالآثار. هو رجل أمن واقتصاد، يوصف في الأوساط الدولية بأنه "العقل المدبر" للسياسة الإماراتية السرية في المنطقة، وصاحب نفوذ واسع في ملفات ليبيا واليمن وملفات اقتصادية كبرى.
وجوده في مؤسسة ثقافية مصرية يثير علامات استفهام: هل الهدف حماية التراث المصري، أم تحويله إلى ورقة نفوذ سياسي واقتصادي جديدة للإمارات؟
 

بيع الهوية مقابل الدعم
منتقدو القرار يرون أن النظام المصري يفرّط في رموز هويته الوطنية مقابل استمرار الدعم المالي والسياسي الإماراتي.
فبعد أن تحولت الأراضي والموانئ والشركات إلى أوراق مساومة، جاء الدور على الثقافة.
المتحف المصري الكبير الذي كان من المفترض أن يُمثل مشروعًا لاستعادة الريادة المصرية، أصبح اليوم شاهدًا على الارتهان.
عضوية طحنون بن زايد لم تكن خيارًا علميًا، بل إملاءً سياسيًا، يعكس أن القاهرة لم تعد صاحبة القرار حتى في مؤسساتها التراثية.
 

ماذا يقول الخبراء؟
عدد من المثقفين والباحثين اعتبروا أن الخطوة تمثل "إهانة للهوية المصرية".
أحد أساتذة الآثار بجامعة القاهرة وصفها بأنها "محاولة لإماراتة المتحف"، محذرًا من أن القادم قد يكون أخطر: نقل قطع أثرية للعرض الدائم في الإمارات بحجة "التعاون الثقافي".
بينما رأى ناشطون أن إدخال طحنون في هيئة المتحف ليس سوى مقدمة لصفقات قادمة، تُحول التراث المصري إلى أداة استثمارية بيد أبوظبي.

وختاما فانضمام طحنون بن زايد إلى هيئة المتحف المصري الكبير لم يكن تكريمًا له، بل إهانة لمصر.
القرار يعكس مدى التبعية السياسية للنظام المصري، الذي بات يمنح مفاتيح ثقافته وتاريخه لغيره مقابل دعم مالي مؤقت.
المتحف الذي كان يُنتظر أن يكون "هدية مصر للعالم"، أصبح اليوم شاهدًا على فقدان استقلال القرار الوطني.
وإذا استمر هذا المسار، فإن التاريخ المصري لن يُروى بأقلام علمائه، بل سيُعاد تشكيله وفق مصالح من يملكون النفوذ والمال.