تثير تغريدة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن استضافة مؤتمر دولي حول "حل الدولتين" في نيويورك يوم 22 سبتمبر ، والذي سيشاركه فيه ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية.
فبينما تسعى باريس والرياض إلى تقديم المؤتمر بوصفه "منعطفًا حاسمًا نحو السلام"، يرى الفلسطينيون أن المسار المقترح لا يتجاوز كونه إعادة إنتاج لاتفاقيات فاشلة تجاهلت الحقوق الجوهرية للشعب الفلسطيني، خصوصًا حقه في المقاومة والتحرر.
ماكرون اعتبر أن "السبيل الوحيد لتلبية تطلعات الإسرائيليين والفلسطينيين" هو حل الدولتين، مؤكدًا ضرورة وقف دائم لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، وإدخال مساعدات إنسانية واسعة النطاق إلى غزة، فضلًا عن نشر بعثة لتثبيت الاستقرار.
لكنه شدد أيضًا على نزع سلاح حماس واستبعادها من أي حوكمة مستقبلية للقطاع، وهو ما فجّر رفضًا قاطعًا من الحركة وفصائل المقاومة.
تمسك المقاومة بالسلاح
ردّت حركة حماس بوضوح، مؤكدة أن سلاح المقاومة "حق أصيل واستراتيجي" للشعب الفلسطيني لا يقبل النقاش، وأن ما يُطرح في نيويورك يمثل "استسلامًا مجانيًا للاحتلال ومحاولة لطمس دماء آلاف الشهداء".
وصرح الناطق باسم الحركة فوزي برهوم أن "المؤتمر المعلن لن ينجح إذا انطلق من فرضية نزع سلاح المقاومة، لأن هذا السلاح هو الذي حمى غزة وأعاد التوازن مع الاحتلال".
موقف الفصائل الفلسطينية
لم يكن موقف حماس منفردًا، إذ أكدت حركة الجهاد الإسلامي أن "المقاومة هي التي أجبرت الاحتلال على الانسحاب من غزة عام 2005، وهي التي تردعه اليوم"، مضيفة أن أي دعوات للتخلي عن السلاح تعني "إعادة الاحتلال بثوب جديد".
كما شددت الجبهتان الشعبية والديمقراطية على أن المقاومة المسلحة والسياسية معًا هي الضمانة الوحيدة لحقوق الفلسطينيين، وأن أي مسار يهمش هذا الحق سيبوء بالفشل.
الموقف الأميركي المعرقل
في المقابل، جاءت الإدارة الأميركية بقيادة دونالد ترامب لتصب الزيت على النار.
فقد قررت واشنطن حرمان الوفد الفلسطيني من الحصول على تأشيرات دخول للمشاركة في المؤتمر، وهو ما وصفه ماكرون بأنه "إجراء غير مقبول"، مطالبًا بالتراجع عنه.
ورأى مراقبون أن هذه الخطوة الأميركية تمثل انحيازًا صارخًا لإسرائيل ومحاولة لعزل الصوت الفلسطيني، بحيث يُعقد المؤتمر باسم السلام بينما يُقصى الطرف الأساسي عن طاولة النقاش.
ردود فعل الشارع الفلسطيني والعربي
لم تقتصر المواقف على الفصائل فقط، إذ عبر الشارع الفلسطيني عن رفضه الصارم لأي صيغة تستبعد المقاومة.
في غزة والضفة، تداول ناشطون هاشتاغات تندد بالمؤتمر وتصفه بـ"صفقة استسلام جديدة"، مؤكدين أن المقاومة هي التي وفرت لهم الأمن في مواجهة الاحتلال.
وعلى المستوى العربي، انتشرت انتقادات واسعة على منصات التواصل، خاصة في لبنان والأردن، حيث حذر نشطاء من أن أي تنازل عن السلاح الفلسطيني يعني فتح شهية الاحتلال لمزيد من التوسع.
كما شدد محللون عرب على أن شعوب المنطقة باتت ترى في هذه المؤتمرات مجرد غطاء دولي لإدامة الاحتلال وتكريس التطبيع، لا بوابة فعلية لتحقيق السلام.
قراءة في المشهد
تكشف هذه التطورات عن تناقض واضح: فرنسا والسعودية تحاولان تسويق المؤتمر كمنصة للسلام والاستقرار، بينما يتمسّك الفلسطينيون بحقهم في المقاومة ويرفضون أن يكون ثمن "الدولة الموعودة" هو التخلي عن السلاح.
وفي الوقت نفسه، يواصل ترامب سياساته الأحادية التي تفرغ أي عملية سياسية من مضمونها عبر منع تمثيل فلسطيني حقيقي.
ويبقى السؤال المركزي: هل يمكن لمؤتمر نيويورك أن يفتح أفقًا جديدًا في ظل تجاهل إرادة الشعب الفلسطيني، وتمسك الفصائل بحقها في السلاح، وعرقلة أميركية فجة؟
المؤشرات توحي بأن المؤتمر قد يتحول إلى مناسبة لالتقاط الصور وإطلاق الشعارات، بينما تستمر المعركة الحقيقية على الأرض حيث يواجه الفلسطينيون الاحتلال ويصرون على أن المقاومة هي الطريق الوحيد لحماية حقوقهم الوطنية.