كتب الصحفي بول إيدون أنّ القاهرة سارعت إلى تعزيز وجودها العسكري في شمال سيناء مع اتساع العملية الإسرائيلية الجديدة الرامية للسيطرة على مدينة غزة، وسط مخاوف متزايدة من نزوح أعداد ضخمة من الفلسطينيين نحو الجنوب واحتمال تدفقهم إلى الأراضي المصرية.
وأوضح العربي الجديد أنّ السلطات المصرية دفعت بما يقارب 40 ألف جندي إلى شمال سيناء، إضافة إلى معدات مدرعة ومنظومات دفاع جوي قرب معبر رفح. يجيء ذلك بينما تتوقع القاهرة أنّ الهجوم الإسرائيلي على غزة قد يؤدي إلى تهجير نحو مليون فلسطيني، أي نصف سكان القطاع، وهو ما تعتبره القاهرة خطاً أحمر تاريخياً.
كرّرت مصر خلال الحرب الجارية أنّ نزوح الفلسطينيين إلى سيناء يشكّل خطراً وجودياً على أمنها القومي. وأشارت الخبيرة كريستين رونزي من شركة ران للاستخبارات إلى أنّ القاهرة رفعت في أوقات سابقة جاهزية قواتها، كما حدث أثناء العمليات الإسرائيلية في رفح في مايو 2024 حين عززت قواتها الحدودية وأنشأت منطقة عازلة تحسباً لأي تدفق مفاجئ. لكن العمليات الإسرائيلية الأخيرة أثارت القلق مجدداً مع تقديرات تتحدث عن احتمال نزوح مليون إنسان.
من جهته، رأى نيكولاس هيراس من معهد نيولاينز أنّ القيادة المصرية تخشى ضغوطاً أميركية وإسرائيلية لفتح أراضيها أمام الفلسطينيين. وأكد أنّ الرئيس عبد الفتاح السيسي يواجه بالفعل ضغوطاً صامتة لقبول هذا السيناريو، لكن حدوثه سيشعل غضباً شعبياً واسعاً وقد يهدد استقرار مصر.
وتشير التحليلات إلى أنّ الأوامر الإسرائيلية بإخلاء مناطق واسعة في القطاع تدفع الفلسطينيين باتجاه الوسط والجنوب، مما يزيد الضغط على معبر رفح ويرفع احتمالية محاولات عبور جماعي نحو سيناء. وحذرت رونزي من أنّ مثل هذا السيناريو قد يقود إلى مواجهات بين قوات الأمن المصرية والفلسطينيين، وهو ما سيولّد رد فعل شعبي غاضب في الداخل المصري.
كما لفتت إلى أنّ مصر ليست في وضع اقتصادي يسمح باستقبال أعداد كبيرة من اللاجئين، إذ سيُفهم ذلك كتواطؤ مع إسرائيل في تفريغ القطاع من سكانه، إضافة إلى الأعباء المالية التي قد ترهق القاهرة في ظل أزماتها الحالية.
وفي ما يخص التنسيق مع إسرائيل، يرى محللون أنّ الانتشار العسكري المصري لم يجرِ من دون تنسيق مسبق، انسجاماً مع معاهدة السلام الموقعة عام 1979 التي تحدد أعداد القوات المسموح بها في مناطق سيناء. ومع أنّ نشر 40 ألف جندي ومدرعات في المنطقة "ج" يتجاوز القيود، إلا أنّ سوابق عديدة بيّنت مرونة الطرفين في هذا الملف.
المحلل المستقل كايل أورتون أوضح أنّ هذه القيود لم تُطبّق بصرامة منذ سنوات، خاصة خلال مواجهة مصر لتنظيم الدولة في سيناء، حيث فضّلت إسرائيل غض الطرف. لكنه شدد على أنّ السياق السياسي مختلف حالياً، إذ تتعلق التحركات بملف حساس يمس مستقبل غزة والعلاقات الثنائية.
وأضاف أنّ الخطاب الإعلامي المحيط بالانتشار العسكري يكتنفه التضخيم والدعاية؛ فأنصار النظام يعتبرونه استعداداً لمواجهة إسرائيل، بينما تروّج وسائل إعلام روسية وإيرانية لرواية عكسية تزعم أنّ مصر تسهّل للهجوم الإسرائيلي.
وفي المقابل، تؤكد رونزي أنّ حجم القوات المنتشرة يعكس بالضرورة وجود تنسيق بين القاهرة وتل أبيب، لأن أي حشد عسكري مفاجئ من دون تفاهمات كان سيُفسر كتهديد مباشر. ورغم توتر الأجواء، يظل خطر اندلاع مواجهات كبيرة بين الجيشين ضعيفاً، خاصة مع تجارب سابقة على احتواء حوادث محدودة بسرعة.
المؤشرات الأخرى تدل على استمرار التعاون الثنائي. فقد توسعت الاتفاقيات الاقتصادية مؤخراً، منها صفقة الغاز من حقل ليفياثان التي عززت اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي. كما يتواصل الحوار بين الطرفين حول قضايا إنسانية، منها المفاوضات المتعلقة بالرهائن.
ويرى هيراس أنّ الجيش المصري يتلقى أوامر واضحة لمنع أي نزوح جماعي إلى سيناء، لكنه يستبعد في الوقت نفسه أن يتأثر جوهر العلاقات المصرية الإسرائيلية أو معاهدة السلام، خاصة أنّ القاهرة تجني فوائد استراتيجية من المساعدات الأميركية المرتبطة بهذه الاتفاقية. وأضاف أنّ الأرجح هو أن تمارس القاهرة ضغوطاً على إدارة ترامب للحد من الاندفاع الإسرائيلي داخل غزة.
ورغم هذه المعطيات، تراقب إسرائيل بقلق التعزيزات المصرية الأخيرة، لا باعتبارها مقدمة لمواجهة، بل كإشارة سياسية على توتر العلاقات. وأشار أورتون إلى أنّ السيسي قد يوظف المشهد داخلياً وعربياً ليظهر بمظهر المدافع عن الفلسطينيين ومانع تهجيرهم، وهو ما يتوافق مع الموقف الشعبي الرافض لسيناريو التهجير.
في النهاية، يبدو أنّ مصر تمشي على خيط رفيع: تعزز دفاعاتها لمنع أي اختراق فلسطيني إلى سيناء، وتؤكد خطوطها الحمراء أمام إسرائيل، لكنها في الوقت نفسه تحافظ على مستوى من التنسيق يضمن استمرار معاهدة السلام ويجنبها الدخول في مواجهة مباشرة.
https://www.newarab.com/analysis/what-driving-egypts-troop-buildup-gazas-border