واصل عمال شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالقاهرة، تحركاتهم الاحتجاجية، مع تنظيم وقفة جديدة داخل محطة التبين، في تصعيد لافت لأزمة ممتدة منذ سنوات، تتعلق بالعلاوات المتأخرة وزيادة البدلات وتثبيت العمالة المؤقتة، في ظل أوضاع معيشية يصفها العمال بـ«الخانقة» مع الارتفاع المتواصل في الأسعار.

 

ووفق شهادات عاملين، جاءت وقفة التبين استكمالًا لسلسلة احتجاجات شهدتها خلال الأسبوع الماضي عدة مواقع تابعة للشركة، من بينها شبكة مياه الزيتون، وشبكة بهتيم، ومحطة مياه شمال حلوان، حيث رُفعت المطالب ذاتها دون استجابة حاسمة من الإدارة حتى الآن.

 

هتافات الغلاء في مواجهة الإدارة

 

وخلال الوقفة، ظهر عمال محطة التبين، وهم يردّدون هتافات تعبّر عن حجم الضغوط المعيشية التي يواجهونها، موجّهين نداءات مباشرة إلى أحمد جابر، القائم بأعمال رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، قائلين: «أحمد جابر شوف يا بيه.. ربع اللحمة بـ100 جنيه»، في إشارة صريحة إلى فجوة الدخل المتزايدة أمام موجات الغلاء.

 

كما ردد العمال هتافات أخرى تطالب بحقوقهم الوظيفية والمالية، من بينها: «العلاوات العلاوات.. التثبيت والبدلات»، و«يا وزير الإسكان.. إلغي القابضة زي زمان»، و«يا وزير الإسكان.. مسروقين من زمان»، ما يعكس تصاعد نبرة الغضب واتساع دائرة المطالب لتشمل بنية الإدارة نفسها.

 

«نعمل إيه بـ5 أو 6 آلاف جنيه؟»

 

أحد عمال محطة التبين قال إن الأزمة لم تعد تقتصر على مطالب مالية مؤجلة، بل باتت تمس القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للأسر. وأضاف: «معاناتنا بتزيد كل يوم، ومفيش قدامنا غير الاحتجاج. نعمل إيه بـ5 أو 6 آلاف جنيه؟ ناكل ولا نسكن ولا نعلّم ولادنا؟ أنا عندي ولدين واحد في ثانوي والتاني في جامعة، بيصرفوا 100 جنيه في اليوم غير الدروس والكتب. نجيب منين؟ نسرق؟».

 

وتعكس هذه الشهادة صورة أشمل لأوضاع آلاف العاملين في قطاع المياه، الذين يرون أن رواتبهم لم تعد تتناسب مع متطلبات الحياة، في ظل ارتفاع تكاليف التعليم والمواصلات والغذاء.

 

من تعليق الاحتجاج إلى عودته

 

وكان عمال مياه القاهرة قد علّقوا احتجاجاتهم، في 24 نوفمبر الماضي، بعد 13 يومًا من التحركات المتواصلة التي امتدت إلى نحو 30 موقعًا داخل العاصمة، وذلك لإتاحة الفرصة أمام الإدارة لتنفيذ المطالب. وأكد العمال حينها ضرورة وضع جدول زمني رسمي، يعلنه رئيس الشركة مصطفى الشيمي، يتضمن خطوات واضحة وآليات محددة لحل الأزمة.

 

غير أن غياب التنفيذ الفعلي، بحسب العمال، دفعهم إلى استئناف الاحتجاجات، حيث عادوا السبت الماضي لتنظيم وقفة بشبكة مياه الحي العاشر، اعتبروها «رسالة إنذار» للإدارة مفادها أن تجاهل المطالب سيقابله تصعيد أكبر خلال الفترة المقبلة.

 

مطالب بالرقابة الإدارية وتدخل رئاسي

 

عامل آخر أكد أن وقفة اليوم جددت المطالبة بتدخل الرقابة الإدارية للتحقيق في وقائع فساد وإهدار مال عام، قال إن عددًا من المسؤولين داخل الشركة متورطون فيها.

 

وأضاف أن إدارتي «مياه القاهرة» و«الشركة القابضة» تتبعان سياسة «التسويف والمماطلة»، وترفضان الاستماع إلى المقترحات التي قدمها العمال لحل أزمة العلاوات المتأخرة، بحجة أن «الميزانية لا تسمح».

 

وأوضح أن العمال اقترحوا حلًا تدريجيًا يقضي بصرف علاوتين من العلاوات المتأخرة خلال العام الحالي، على أن يتم لاحقًا صرف علاوة قديمة وأخرى جديدة كل عام، بما يخفف العبء المالي ويضمن حقوق العاملين.

 

احتجاجات واسعة ومطالب بالإقالة

 

وشهد الشهر الماضي موجة احتجاجات وُصفت بالأوسع داخل الشركة، شملت وقفات وتظاهرات متزامنة في عدد كبير من المحطات والشبكات والفروع، للمطالبة بضم العلاوات المتأخرة منذ عام 2016، ومراعاة التدرج الوظيفي عند تطبيق الحد الأدنى للأجور، وصرف فروق الضرائب، فضلًا عن إقالة عدد من القيادات، من بينهم نائب رئيس مجلس إدارة الشركة للشؤون المالية والإدارية، علي عماشة.

 

وامتدت هذه التحركات إلى محافظات أخرى، بينها الجيزة والشرقية وبني سويف والمنيا، قبل أن يقرر عمال مياه القاهرة تعليق الاحتجاجات مؤقتًا، في خطوة لم تدم طويلًا مع عودة التصعيد مجددًا.

 

رواتب بالكاد تكفي والديون تتراكم

 

وفي شهادات سابقة، روى عمال بالشركة ما يعانونه من أوضاع اقتصادية قاسية، مؤكدين أن متوسط صافي الرواتب لا يتجاوز 5800 جنيه شهريًا، وهو ما دفع كثيرين منهم إلى الاعتماد على «فيزا المشتريات» لتوفير الاحتياجات الأساسية، قبل أن تتراكم عليهم مديونيات بنكية وصلت إلى عشرات الآلاف من الجنيهات.

 

ومع تضخم الديون، لجأ عدد كبير من العمال إلى الاستدانة من الأقارب والأصدقاء، لتتحول «السلف» إلى عبء شهري دائم، بحسب وصفهم، في ظل غياب أي حلول جذرية من الإدارة.

 

أزمة ممتدة في قطاع المياه

 

ولا تقتصر الاحتجاجات على القاهرة وحدها؛ إذ شهدت الشهور الماضية تحركات مماثلة في شركات المياه والصرف الصحي بعدة محافظات. ففي يوليو الماضي، نظم عمال شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالإسكندرية وقفات احتجاجية واعتصامات متزامنة داخل محطات تنقية المياه وفروع خدمة العملاء، للمطالبة بضم العلاوات المتأخرة منذ 2016 بأثر رجعي.

 

كما نظم محصلو الفواتير وقارئو العدادات العاملون بنظام العمولة في شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالقليوبية، في 11 مارس الماضي، وقفات احتجاجية متزامنة في فروع القناطر الخيرية والخصوص وشبرا الخيمة وبنها، للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور وتحرير عقود عمل شاملة، وفق ما أكده مشاركون في تلك التحركات.