عندما انقض العسكر على السلطة عام 2013، وعدوا المصريين بإصلاح المنظومة الإعلامية وتطويرها لتواكب العصر الرقمي وتصبح منافسًا إقليميًا، لكن بعد أكثر من عقد، تحولت هذه الوعود إلى أداة سيطرة كاملة على المجال الإعلامي، عبر ما يُعرف بجهاز "السامسونج" الذي يوجّه المذيعين حرفيًا بما يقولون.
اليوم، يواجه الإعلام المصري انتقادات غير مسبوقة بسبب غياب التعددية، وانكماش المساحات المستقلة، وفقدان الثقة الشعبية. والسؤال المطروح: لماذا فشل الإعلام في التطور رغم كل هذه الوعود؟
وعود بالتطوير.. وواقع من الإقصاء
مع بداية حكم السيسي، رفعت السلطة شعار "إعلام وطني حديث"، لكن سرعان ما تحولت هذه الشعارات إلى سيطرة كاملة على القنوات والصحف.
تمت إعادة هيكلة السوق الإعلامي لصالح كيانات مرتبطة بالمخابرات، وتم إقصاء كل الأصوات المستقلة أو المعارضة، ليصبح الإعلام مجرد لسان حال النظام.
يقول الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز: "ما حدث ليس تطويرًا للإعلام، بل إعادة تشكيله ليكون خاضعًا لسلطة واحدة، وهذا قتل روح المنافسة وأفقد الجمهور ثقته".
جهاز "السامسونج".. الإعلام تحت الإملاء
أحد أكثر المشاهد دلالة على فقدان الاستقلالية هو فضيحة جهاز "السامسونج"، الذي يُرسل عبره النصوص للمذيعين لقراءتها حرفيًا على الهواء.
هذا الأسلوب – بحسب خبراء – جعل القنوات نسخة مكررة تقدم الخطاب نفسه، دون أي اجتهاد أو رأي حقيقي.
ويعلق الصحفي خالد داود: "الإعلام فقد وظيفته الأساسية، وأصبح أداة للدعاية، ما أدى لانهيار نسب المشاهدة لصالح المنصات المستقلة والرقمية".
سحق التعددية وتحويل القنوات لمنابر رسمية
قبل عشر سنوات، كان المشهد الإعلامي المصري متنوعًا، يضم قنوات وصحفًا تعبر عن مختلف الاتجاهات. أما اليوم، فقد احتكرت السلطة الإعلام بالكامل، عبر شبكات تملكها كيانات أمنية، مثل "المتحدة للخدمات الإعلامية".
تقرير الشبكة العربية لحقوق الإنسان كشف أن مئات المواقع الإخبارية حُجبت، فيما تم التضييق على المنصات الرقمية المستقلة، لتختفي أي مساحة لوجهات النظر المخالفة. النتيجة: إعلام موحّد الصوت، يردد الرواية الرسمية دون نقاش أو نقد.
تجاهل التطوير التكنولوجي وفقدان المنافسة
في وقتٍ تتسابق فيه الدول لتطوير إعلامها الرقمي ومنصات البث التفاعلي، ظل الإعلام المصري جامدًا، يعتمد على الأساليب التقليدية والخطاب الأحادي.
لم تستثمر الدولة في تدريب الكوادر أو إنتاج محتوى احترافي ينافس إقليميًا، ما جعل الجمهور يهرب إلى القنوات الخارجية والمنصات البديلة.
يؤكد الخبير الإعلامي محمد شومان: "الإعلام المصري خارج المنافسة، لأنه يفتقر للتنوع والحرية، وهما أساس الإبداع والتطوير".
وبعد أكثر من عقد على حكم السيسي، يتضح أن العسكر لم يطوروا الإعلام بل دمّروه، وحوّلوه إلى أداة للتطبيل وتوجيه الرأي العام.
ومع استمرار سياسة الإقصاء والرقابة، وانعدام أي أفق لحرية التعبير، لن يستعيد الإعلام المصري عافيته إلا إذا تحرر من الوصاية الأمنية، واستعاد استقلاليته المهنية.
وحتى يحدث ذلك، سيظل الإعلام يعيش في عزلة، بينما يبحث المواطن عن الحقيقة في الخارج.