أظهرت أحدث بيانات شركة الاستشارات Henley & Partners في تقرير «Africa Wealth Report 2025» أنّ مصر تضم حوالى 14,800 مليونير مقيم، وفي تصنيف المدن تُعتبر القاهرة من أغنى مدن شمال إفريقيا بعدد كبير من أصحاب الثروة الكبرى.
التقرير القارَن صدر بتاريخ 26 أغسطس 2025 ويضع مصر في المرتبة الثانية قارياً من حيث عدد أصحاب الملايين.
كم مليارديراً يملكهم البلد؟
قوائم الأثرياء العالمية تُظهر أيضاً وجود عدد من المليارديرات المصريين ذوي الأصول المقيمة أو الجنسية المصرية؛ مجلة فوربس سجلت بقاء عدد من الأسماء المصرية في قائمة الأغنياء لعام 2025، مع تباين في التقديرات الإجمالية لقيمة ثرواتهم.
هذا التراكم القليل من أصحاب المليارات يقف على قمة هرم غني بينما الملايين تحت ضغط ارتفاع الأسعار وتآكل الدخول.
أين هذه المليارات وكيف حصلوا عليها؟
العوامل الرئيسة التي فسرتها دراسات وتحليلات اقتصادية وسياسية تتضمن:
- رأسمالية دولة - عسكرية ومشروعات كبرى: منذ وصول قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي للسلطة، اتسعت مشاركة الجيش والدولة في مشاريع بنية تحتية ضخمة (مثل العاصمة الإدارية ومشروعات قناة السويس والمجمعات العقارية)، وهي مشاريع جذبت عقوداً وتخصيصات لشركات قريبة من دوائر النفوذ.
المحللون يقولون إن هذه الاقتصاديات الممنوحة تسببت في خلق طبقة من أصحاب النفوذ والمؤسسات المرتبطة بالدولة.
- الخصخصة والتحويلات غير الشفافة: عمليات خصخصة جزئية أو عقود مناقصات أُجريت في بيئة تفتقر لشفافية كاملة؛ هذا سمح بتراكم ثروات كبيرة لدى مجموعات اقتصادية محدودة، تقارير إعلامية وتحليلية انتقدت توزع العقود وميلها للفاعلين المقربين من السلطة.
- التهرب الضريبي وتراكم رأس المال الدولي: جزء من ثروات النخبة محفوظ ضمن هياكل مالية عبر حدود، واستفادة من ملاذات ضريبية أو هندسات مالية جعلت قياس "ثروة الداخل" أمراً معقداً ولهذا تتفاوت التقديرات بين Henley وForbes ومصادر أخرى.
تُبرز دراسات حديثة أن النظام الضريبي المصري يعتمد بنسبة 35.6% على ضريبة القيمة المضافة التي تثقل كاهل المستهلكين، بينما لا تسهم الضرائب على الشركات إلا بنسبة 11.9% للعام المالي 2024-2025.
هذا النظام يحمي النخب الثرية ويدفع أثمانه الفقراء والطبقة الوسطى الذين يشهدون تراجعاً في دخولهم وخدماتهم الاجتماعية، مثل التعليم المجاني والعلاج والتوظيف الحكومي، ما يدفع شريحة واسعة منهم إلى الفقر أو الانزلاق إلى الطبقات الدنيا.
الفوارق الطبقية..
مؤشرات تفاوت الدخل تؤكد وجود طبقية متنامية، بيانات البنك الدولي ومصادر فقرٍ وعدم مساواة تُظهر أن مصر تسجل مستويات متوسطة إلى عالية نسبياً من عدم المساواة (مؤشر جيني وتقارير الفقر تعكس ذلك عبر سنوات مختلفة)، بينما النمو الاقتصادي الإجمالي لم يترجم إلى توزيع عادل للثروة أو دخول مستدامة للأسر الفقيرة.
النخبة والمطحونون
في القاهرة اليوم يوجد ما يمكن تسميته "مجتمعات مغلقة" أحياء سكنية ومشاريع فاخرة ومراكز أعمال تدور حول طبقة اجتماعية معزولة عن واقع الشارع؛ وفي المقابل ملايين المصريين يعانون من تضخم في أسعار الغذاء والطاقة، وارتفاع تكاليف السكن، واتساع الفقر المدقع في محافظات واسعة، تحليلات صحفية ومحلية تناولت هذا الانقسام ووصفت القاهرة بأنها "مدينة مزدوجة الوجه".
في خطاب تنصيبه لفترة ثالثة (2 أبريل 2024) تعهد قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي بمزيد من الاستثمار والإنفاق الاجتماعي كوسيلة لمعالجة مشكلات البلاد، لكنه أيضاً أكد على أن "بناء الأمة" يتطلب مشروعات كبُرى، وواجهت هذه الوعود نقداً بأنها لم تصل لذوي الدخل المحدود بالشكل الكافي.
باحثون ومؤسسات فكرية انتقدوا نموذج التنمية القائم بوصفه "دولة رأسمالية موجهة" تُنتج ثروات مركزة وتضعف قدرة السوق على توزيع المنافع، حيث كتبت مؤسسة كارنيغي أن السيسي "يبني جمهورية جديدة تقوم على مزيج من قلة التوزيع والدور المركزي للدولة" (تحليل منشور مايو 2025).
الاقتصاديون وصحافة تحليلية مثل "إيكونوميست" ربطت بين الاستراتيجية الاقتصادية وارتفاع الدين العام وإفقار قطاعات واسعة.
أسباب مستمرة لاتساع الهوة
- تركيز العقود والمناقصات لدى جهات محددة، غالباً مرتبطة بحلقات سياسية وعسكرية.
- ضعف الآليات الضريبية العادلة والرقابة على تحويلات رؤوس الأموال.
- المشروعات الكبرى ذات العوائد البعيدة الأثر التي تزيد من ثروة القلة ولا توزع القيمة المضافة محلياً.
- تراجع الفرص الاقتصادية الحقيقية للشباب والهجرة الرأسية للأكفاء إلى الخارج، ما يضعف الطبقة المتوسطة الإنتاجية.
الأرقام كما في تقرير Henley & Partners بتاريخ 26 أغسطس 2025 تكشف أن ثروة كبيرة تتركز في أيدي قلة بينما يعاني الشارع من تداعيات اقتصادية يومية.