أحالت النيابة العامة المصرية، الثلاثاء 27 أغسطس 2025، المدير المسؤول بشركة "هاي كير" لخدمات الحراسة (مهند م.ع، 34 عامًا) إلى المحاكمة الجنائية بتهمٍ تتعلق بالاستيلاء على نحو 136 مليون جنيه من حصيلة محطات الوقود ورسوم عبور بوابات الطرق الرئيسية التابعة للشركة الوطنية للطرق (جهة تابعة لجهاز الخدمة الوطنية/القوات المسلحة).

التحريات تشير إلى تسلّمه المال وفقًا لـ330  إيصال تسلُّم، ثم الامتناع عن توريدها إلى الحسابات المخصصة في بنك التعمير والإسكان، بما تسبب -بحسب أمر الإحالة- في إضرار بأموال البنك والدولة، القضية مقيدة بأرقام: (7426 لسنة 2025 جنايات مصر القديمة) و(43 لسنة 2025 جنايات أموال عامة عليا).

 

تفاصيل رسمية لا يمكن تجاهلها

وفقًا لأوراق التحقيق وأمر الإحالة، تعود العقود التي منحت شركة "هاي كير" مهمة تحصيل إيرادات محطات الوقود وبوابات الرسوم إلى 24 مايو 2024 وما تلاها من ملاحق، حيث نصّت صراحة على توريد الإيرادات إلى حساب الشركة الوطنية لدى بنك التعمير والإسكان.

النيابة تؤكد ثبوت استلام المبالغ فعليًا، ثم حبسها أو التصرف فيها بدون توريدها، هذه مجرد تفاصيل رسمية صادرة عن جهات تحقيقية قضائية وليست اتهامات إعلامية عابرة.

 

ما الذي تكشفه هذه القضية عن بنية السلطة الاقتصادية؟

القضية ليست حادثة معزولة عن واقع أوسع؛ تحكم المؤسسة العسكرية وكياناتها في مفاصل اقتصادية استراتيجية (طرقات، مشروعات عقارية، شركات تعمل بالعقود الحكومية) يخلق بيئة مزروعة بالمنافع الشخصية وفرص الاختلاس إذا غابت الشفافية والرقابة المدنية.

تعليقات تقارير دولية ومحلية في العامين الأخيرين تشير إلى نقد متزايد لتداخل الجيش في الأنشطة الاقتصادية وصعوبات برنامج الخصخصة وغياب الحوكمة الشفافة.

هذا السياق يفسر كيف يمكن أن تظهر قضايا بملايين الجنيهات داخل مؤسسات مرتبطة بالجهات السيادية.

 

أرقام وإحصاءات تكشف استشراء الفساد

  • 136 مليون جنيه: قيمة المتحصلات المزعوم الاستيلاء عليها بحسب النيابة.
  • 330 إيصالًا: تثبت النيابة تسلم الأموال رسميًا قبل الامتناع عن توريدها.
  • تواريخ القيد (قضايا 2025) وعقد التنفيذ المؤرخ 24 مايو 2024 تعطي ملمحًا عن استمرار إدارة مثل هذه العقود خلال الفترة الأخيرة.
  • الهيئة الهندسية للقوات المسلحة تتحكم بمشاريع بمليارات الجنيهات في البنية التحتية.
  • تعديل قانون العطاءات مرتين (2013 و2016) لتعزيز الاستحواذ العسكري على الاقتصاد.
  • آلاف العمال المحليين محرومون من أجور مناسبة وظروف عمل لائقة في مشاريع بمليارات الجنيهات.

 

على مستوى أكبر، سلطات النقد الدولي وشركاء اقتصاديين حذّروا مرارًا من بطء عمليات التخارج والخصخصة، ومن أن السيطرة الواسعة لجهات حكومية وعسكرية على الاقتصاد تُضعِف الثقة وتجعل تدفقات العوائد أقل شفافية، وهو ما ظهر في تقييمات وبرامج المراجعة مع صندوق النقد.

لم تُسجل حتى الآن تصريحات مباشرة لوزراء أو قيادات رسمية منتقدة تربط القضية بسياسات عليا؛ لكن المؤسسات الدولية والاعلاميّون الاقتصاديّون تحدثوا عن أن غياب الشفافية في إدارة أصول الدولة وتشابك المصالح العسكرية الاقتصادية يزيد من مخاطر الفساد والهدر.

تقارير محلية وأطر نقدية لاحظت تعثّرًا في تنفيذ برامج الخصخصة ووجود احتكاكات تؤدي إلى خسائر في حصيلة النقد الأجنبي المتوقعة، وهو ما يضع البلاد في حلقة اقتصادية خانقة تُغذي فسادًا مؤسسياً إن لم يُكبح.

 

أسباب ودوافع محتملة

  1. هيمنة اقتصادية مركزة: عندما تحتكر جهات سيادية أنشطة مُربحة (طرق، وقود، أراضٍ)، يقل الحافز لآليات الشفافية والمنافسة، وتزداد قدرة الأفراد على إساءة استغلال الصلاحيات.
  2. رقابة مدنية ضعيفة: غياب رقابة فعالة من مؤسسات مدنية مستقلة وصحافة حرة يسهّل أن تصبح الاختلاسات عملية إدارية داخلية قبل أن تتحول إلى قضايا جنائية عند اكتشافها.
  3. حوافز مالية قصيرة المدى: ضغوط السيولة والالتزامات التمويلية (تفصيلاتها في مراجعات الصندوق) تدفع إلى حلول ترقيعية وإسناد عقود بأطر غير متينة قد تؤدي إلى اختلالات إدارية.

 

الأسباب الجوهرية لتنامي الفساد

يرتبط الفساد في مصر ببنية النظام السياسي نفسها، حيث سيطرة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد والسلطة تجعل من المؤسسات المسؤولة عن مكافحة الفساد عاجزة أو متواطئة.

القانون والسلطة القضائية يقيّدان تحقيق العدالة الحقيقية بسبب التحالفات السياسية والمصالح المتشابكة، هذا الأمر أدى إلى استمرار نهب موارد الدولة، وضعف الشفافية، وغياب المحاسبة الحقيقية، مما يكرس احتكار النفوذ ويدعم اقتصاد الظل الذي تحقق منه النخب العسكرية والسياسية فائدة ضخمة.