أعلنت وسائل إعلام مؤخرًا أن اليوتيوبر المعروف بقناته التعليمية "دروس أونلاين" عاد لاستئناف نشاطه من خارج مصر، وأشار بنفسه إلى أنه يعمل من الإمارات وأن يعتبر ذلك «سفر شغل» وليس هجرة نهائية.
القصة بدأت بتوقيفه أواخر ديسمبر 2024 على خلفية اتهامات تتعلق بالتعامل بالنقد الأجنبي، ثم مضت إجراءات قضائية انتهت ببراءته قبل أن يعود ليقدم محتواه من الإمارات.
خلفية التوقيف والبيانات الرسمية
أصدرت وزارة داخلية الانقلاب المصرية بيانًا وقت توقيفه وأوضحت أن إجراءات القبض جاءت في إطار قضية جنائية متعلقة بالتعامل غير المشروع في النقد الأجنبي، وهو توضيح نقلته وسائل الإعلام الحكومية والمقربة.
إن استعمال أدوات إنفاذ القانون في حالات متعلقة بصناع محتوى رقميين أو رجال أعمال شباب يترك أثرًا نفسيًا عمليًا: الخوف من الإجراءات القانونية قد يدفع المبدعين إلى البحث عن بيئة أكثر استقرارًا خارج الوطن.
لماذا يغادر أو يعمل المبدعون من الخارج؟
- الضغط القانوني والرقابة العملية: توقيفات أو إجراءات تحقيقية طويلة الأمد أمامها تكلفة مادية ومعنوية كبيرة على المبدعين ورواد الأعمال، حتى لو انتهت بالبراءة.
تجربة أبوزيد مثال على أن مجرد المتابعة القضائية قد تكفي لإجبار صاحب محتوى ناجح على الاستمرار خارج البلاد.
- الظروف الاقتصادية وعدم استقرار السوق: القيود على الحركة المالية، تقلبات سعر الصرف، والبيروقراطية تعيق تحويل إجمالي أرباح المبدعين، وتُجبرهم على تحويل نشاطهم إلى دول تمنح سهولة تعامل مصرفي وقنوات دفع مستقرة.
- فرص احترافية وبنية تحتية رقمية أفضل في الخليج ودول أخرى: أسواق مثل الإمارات والسعودية تقدم حوافز للمنصات والمحتوى الرقمي من تسهيلات قانونية إلى بنى تحتية رقمية وإعلانات مدفوعة ومنصات تعاون تجاري، ما يجعلها خيارًا عمليًا للمواهب.
إلى أي مدى هي ظاهرة؟
الدراسات المتخصصة في مصر تظهر أن النية في الهجرة تختلف بحسب الفئات؛ فبينما استطلاعات الرأي العامة قد لا تُظهر أرقامًا هائلة على مستوى كل السكان، الدراسات القطاعية تكشف معدلات أعلى بكثير بين المهنيين المتعلمين: مثالًا، دراسة استقصائية شملت أطباء وممارسين صحيين وجدت أن نسبة كبيرة (أكثر من نصف العيّنة في بعض الدراسات) تفكر بجدية في العمل بالخارج أو تفضل فرصًا خارج الوطن بسبب الفوارق المهنية والمالية.
هذه الأدلة تشير إلى أن هجرة العقول ليست مجرد تعبير شعبي بل واقع يتجلى بوضوح في قطاعات متخصصة.
ماذا يقول المجتمع المدني ومحللو السياسات؟
مراكز بحثية إقليمية مثل Arab Barometer وثائق بحثية أخرى توضح أن الرغبة في الهجرة تختلف عبر دول المنطقة وأن المحركات تكون غالبًا اقتصادية ومهنية، بحث عن دخل أفضل، تعليم أعلى جودة، وبيئة عمل أقل تضييقًا.
وهذا يضع مصر أمام تحدٍ تنموي، كيف تحتفظ باستثماراتها البشرية بينما العوامل الذاتية كـ (سياسات عمل، تشريعات، بيئة حريات) والعوامل الخارجية تجذبها للخارج؟
أثر خروج كفاءات رقمية مثل أبوزيد
خروج صناع محتوى تعليميين وتقنيين يشكل خسارة مركبة؛ فقدان محتوى تعليمي محلي باللغة العربية، تقليل فرص الوصول لمعلومة عالية الجودة داخل المجتمع، وتراجع في إيرادات المحتوى المتولد محليًا، فضلاً عن أن قصص التهجير الوظيفي تغذي انطباعًا عامًّا بأن العمل في مصر محفوف بالمخاطر مقارنة بالخليج أو أوروبا، ما يؤدي إلى تسريع عمليات الهجرة الطوعية لدى الشباب الطموح.
توصيات سريعة لدولة الانقلاب..
- ضمان بيئة قانونية واضحة وشفافة لحماية المبدعين ورواد الأعمال من ملاحقات تأخذ طابعًا عشوائيًا أو تعسفيًا.
- تسهيل تحويل العائدات الرقمية وإزالة القيود غير المبررة على حركة رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة للمحتوى الرقمي.
- حوافز لبقاء الكفاءات حاضنات رقمية، برامج دعم للمنشئات الصغيرة، شراكات دولية تحت مظلة محلية.
- حوار جاد مع المجتمع الرقمي: الاستماع لحكايات مثل حالة أبوزيد والاعتراف بالمشاكل ومعالجتها بدلًا من مقاربات أمنية فقط.
خروج أحمد أبوزيد للعمل من الإمارات ليس خبرًا منعزلًا عن سياق أوسع؛ بل إن ملفّات التوقيف القضائي والقيود الاقتصادية والبُنى التنظيمية تجعل من مصر بيئة أقل جذبًا لشباب مبدع وكفء.