تتصاعد معاناة طلاب الثانوية العامة وغيرهم من الطلاب في جميع المراحل وأولياء أمورهم عامًا بعد عام، وسط انفلات أسعار الدروس الخصوصية، التي أصبح الاعتماد عليها إجبارياً لتعويض النقص الشديد في المعلمين بالمدارس الحكومية، وصعوبة المناهج، وعدم تجهيز المدارس لاستيعاب الطلاب بالشكل المطلوب.
 

واقع التعليم الحكومي
المدارس الحكومية تعاني من نقص حاد في المعلمين، حيث توقفت التعيينات الجديدة منذ سنوات. هذا النقص يضع عبئًا إضافيًا على المعلمين الحاليين، الذين غالبًا ما يضطرون للعمل في أكثر من مدرسة. بالإضافة إلى ذلك، تعاني الفصول الدراسية من تكدس الطلاب، مما يؤثر سلبًا على جودة التعليم.

هذه المعطيات تعكس فشل الدولة في القيام بدورها الأساسي، فالدولة التي تُفترض أن توفر التعليم المجاني واللائق لشعبها اختارت ترك المواطنين فريسة للقطاع الخاص، بما يشمل الدروس الخصوصية التي أصبحت ضرورية لكل طالب يريد النجاح.
 

الاعتماد على الدروس الخصوصية
في ظل هذا الواقع، أصبح الطلاب مجبرين على اللجوء إلى الدروس الخصوصية.
وفقًا لتصريحات وزير التربية والتعليم السابق، فإن فاتورة الدروس الخصوصية تصل إلى 47 مليار جنيه سنويًا، وهو ما يعادل 2.3 مليار دولار. هذا المبلغ يعكس حجم الإنفاق الكبير للأسر المصرية على التعليم الخاص.

الدروس الخصوصية، التي يفترض أن تكون وسيلة مساعدة، تحولت إلى عنصر رئيسي في نظام التعليم، الأمر الذي يجعل الفقراء والأسر محدودة الدخل محرومين من فرص متساوية للتعلم والنجاح، بينما يتمكن الأثرياء من تأمين مستقبل أبنائهم عبر دروس باهظة التكلفة.
 

تقنين الدروس الخصوصية
بدلاً من معالجة جذور المشكلة، اتجهت الحكومة إلى تقنين الدروس الخصوصية، مما يثير تساؤلات حول نواياها.
الخبراء يرون أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى تعزيز دور مراكز الدروس الخصوصية كبديل للتعليم الحكومي، بدلاً من تحسين جودة المدارس الحكومية.

المحللون والحقوقيون يؤكدون أن هذه السياسات تُضعف القدرة على التعليم العادل، وتفشل في تحقيق الهدف الأساسي للتعليم كحق أساسي لكل مواط
 

تفاقم الاعتماد على الدروس الخصوصية
في ظل هذا الواقع، يجد الطلاب أنفسهم مجبرين على اللجوء للدروس الخصوصية المكلفة، التي تصل فاتورتها إلى عشرات آلاف الجنيهات سنويًا لكل طالب، وفق تصريحات خبراء التعليم. الاعتماد الإجباري على الدروس الخصوصية يزيد من العبء المالي على الأسر، ويخلق فجوة تعليمية بين الطلاب الذين يستطيعون تحمل التكاليف والآخرين الذين يفتقرون للإمكانيات المالية.
 

ردود فعل أولياء الأمور
أولياء الأمور يعبرون عن استيائهم من النظام التعليمي الحالي. تقول سارة محمد، أم لطالب بالصف الثالث الثانوي: "أصبحت الدروس الخصوصية مثل فاتورة الكهرباء أو الغاز، إذا لم ندفع لن يحصل أبنائي على تعليم حقيقي، والمدرسة لم تقدم شيئًا يذكر طوال العام".

ويضيف أحمد السيد، موظف حكومي وأب لطفلة في الثانوية العامة: "نحن مجبرون على دفع مبالغ باهظة للدروس الخصوصية، في حين أن الدولة لا توفر أي دعم، ولا توجد رقابة على المحتوى التعليمي.
شعورنا أن التعليم أصبح تجارة وليس حقًا أساسيًا لأبنائنا".

وتشير منى علي، أم لاثنين من طلاب الثانوية العامة: "الضغط النفسي على الطلاب كبير جدًا، والرسوم المرتفعة للدروس الخصوصية تجعلنا نشعر بأننا مستهلكون لا أولياء أمور، وكل ما يهم الجامعات الخاصة هو الربح وليس تعليم أبنائنا".
 

تنامي الجامعات والمعاهد الخاصة
المشكلة لا تقتصر على الدروس الخصوصية، بل تتفاقم مع الجامعات والمعاهد الخاصة والأهلية التي استحوذت على نحو 30٪ من الطلاب، بعد ارتفاع المجاميع المطلوبة للقبول بالكليات الحكومية.
الجامعات الخاصة أصبحت مصنعًا للمال والشهادات، حيث تعتمد على رسوم عالية وأدنى درجات للقبول لضمان أكبر عدد ممكن من الطلاب، بينما يظل التعليم الحكومي في حالة تدهور مستمر.
 

تأثير ذلك على المجتمع
الاعتماد على التعليم الخاص يزيد من التفاوت الاجتماعي ويضع الأسر محدودة الدخل تحت ضغط اقتصادي ونفسي كبير.
الطلاب يُحرمون من فرصة التعلم الفعلي، بينما أولياء الأمور يعيشون في حالة قلق دائم على مستقبل أبنائهم، وسط شعور بالإحباط من فشل الدولة في إدارة التعليم بشكل مسؤول.

وأخيرا فالتعليم في مصر أصبح تجارة مربحة على حساب الطلاب وأولياء الأمور، فيما الدولة تتفرج على الأزمة بلا أي إصلاحات جادة. الحل يتطلب إرادة سياسية حقيقية لتطوير المدارس الحكومية، توفير المعلمين، تحديث المناهج، وضمان فرص متساوية لجميع الطلاب. وإلا فإن مستقبل الأجيال القادمة سيكون تحت تهديد كارثة تعليمية حقيقية، وسط مجتمع يعيش الضغوط الاقتصادية والنفسية الناتجة عن فشل النظام التعليمي.