تستعد وزارة الإسكان المصرية لطرح إدارة وتشغيل مشروع الحدائق المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة (المعروفة باسم "كابيتال بارك") أمام شركات محلية وعالمية قبل نهاية 2025 في محاولة لاسترداد استثمارات تنفيذها المقدرة بنحو 7 مليارات جنيه خلال أول عشر سنوات من التشغيل.

يمتد المشروع على مساحة 1000 فدان ويضم مرافق ترفيهية وثقافية متنوعة، ويعتبر من أكبر الحدائق المركزية في الشرق الأوسط، حيث يهدف المشروع إلى توفير بيئة جاذبة في العاصمة الإدارية التي ترتفع تكلفتها إلى 45 مليار دولار للمرحلة الأولى فقط، مع توقعات بأن يبلغ عدد سكانها 6.5 مليون نسمة ويُنشأ بها مليونا فرصة عمل.

الحكومة تروج لهذا الطرح على أنه نجاح في جذب الاستثمارات الأجنبية، لكن الوقائع تشير إلى أن الأجانب يدخلون لإدارة أصول قائمة، وليس لإنشاء مشروعات جديدة تضيف للاقتصاد قيمة حقيقية.

لكن هذا الطرح للأسف ليس سوى نموذج من منظومة اقتصادية فاشلة تحكمها الإدارة الاقتصادية لنظام السيسي، حيث يرتبط كل مشروع بمعاناة ضخمة في التمويل، وتأخير في التنفيذ، وعجز في التخطيط الواقعي لقضايا التنمية المستدامة في مصر.

النائب المعارض أحمد الطنطاوي تساءل في بيان له:  "إذا كانت العاصمة الإدارية مشروعًا قوميًا ناجحًا كما تدعي الحكومة، فلماذا نلجأ لشركات أجنبية لإدارته؟" وأضاف أن هذا يعكس فشل الدولة في تشغيل المشروع واسترداد تكلفته.
 

الاقتصاد المصري بين وعود السيسي والواقع المؤلم
على الرغم من تصدير نظام السيسي نفسه كصديق للإصلاح الاقتصادي، فإن الواقع على الأرض يروي قصة مختلفة، حيث وصل التضخم إلى 40% وارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل يومي، مما يهدد ملايين المصريين بالحرمان السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء إلى أكثر من ضعف السعر الرسمي يعكس سوء إدارة الاقتصاد ويؤكد أن وعود التنمية مجرد سراب لا يتجاوز سقف السياسة الدعائية للنظام. ولم تحقق 10 سنوات من حكم السيسي سوى تعميق الفقر، وتراجع فرص العمل الحقيقية، وفشل محاولة الاقتصاد في جذب الاستثمارات القوية ذات الاستدامة بعيدًا عن القروض المرهقة.

هذه السياسات الفاشلة وأسلوب القمع السياسي المتزايد الذي يوصف بأنه "سجن مفتوح" للمعارضين، خلق استياءً عميقًا في الشارع المصري، حيث وصلت نسبة رفض حكم السيسي إلى ما يقرب من 74% بحسب إحدى الدراسات الميدانية التي تعكس غضب فئات الشباب تحت الأربعين عاماً، ويُظهر هذا الاستياء نفسه في تصاعد الاحتجاجات والإضرابات المتكررة في الفترة الأخيرة.
 

مشاريع ضخمة بعجز في الأداء الإداري
على الرغم من ضخ 7 مليارات جنيه في إنشاءات العاصمة الإدارية خلال الربع الأول من العام المالي الحالي، إلا أن هناك فجوة كبيرة بين الإعلان عن المشاريع والنتائج الحقيقية على الأرض، حيث يُنتقد نظام السيسي لتورط الجيش في النشاط الاقتصادي بشكل واسع، وهو ما يرى مراقبون أنه عزز من احتكار مؤسسات بعينها وحول الاقتصاد إلى أسواق مغلقة، مما يقضي على تنافسية القطاع الخاص ويحد من فرص التنمية الحقيقية.

وزارة الإسكان معنية ليس فقط باسترداد الأموال، إنما بتسويق وهم التنمية في حضور مأساوي للاقتصاد الوطني، حيث شروط التقديم لإدارة الحدائق تُركز على خبرات فنية واستثمارية فقط، دون وضع نموذج واضح للمساءلة أو التزام اجتماعي تجاه تلبية احتياجات غالبية المصريين الذين يعانون من تدهور مستوى المعيشة.
 

تحذيرات من الفشل المستمر
أشارت تقارير إلى أن النظام يحاول الاستمرار في سياساته رغم الأزمات الاقتصادية المتصاعدة، وهو ما يخلق "تشققات وأزمات وغضباً شعبياً" من المتوقع أن يتجسد في المزيد من الاحتجاجات والإضرابات.

ويرى محللون أن النظام يعاني عجزاً في النقد الذاتي، مما يزيد من تعميق الأزمات الاقتصادية والمالية، ويفاقم من معاناة المواطنين ويتحدى فرص الإصلاح الحقيقي.

كما يحذر اقتصاديون من أن الفشل في استغلال الاستثمارات الضخمة مثل مشروع حدائق العاصمة الادارية يكرس نموذجاً سيئاً من الاقتصاد القائم على المشاريع الكبرى ذات القوة الإعلامية والتي لا تنعكس إيجاباً على التنمية الحقيقية ولا تحسين حياة الأغلبية الساحقة من المصريين.

طرح وزارة الإسكان لإدارة وتشغيل مشروع حدائق العاصمة الإدارية يبدو نظرياً خطوة نحو استرداد 7 مليارات جنيه من الاستثمارات، لكنها تعكس أيضاً إصرار النظام على الاستمرار في النهج الاقتصادي الفاشل الذي لم يخرج مصر من أزماتها المزمنة.

حكومة السيسي تواصل خيبات الأمل في التنمية، وتغرق الاقتصاد الوطني في متاهات القروض والتضخم، بينما تتحكم في الحياة السياسية بقمع وصل إلى مستويات مقلقة.

كل ذلك يشير إلى أن المنظومة الاقتصادية الراهنة مهددة بالفشل، وأن المشاريع الكبرى لا تقدم إلا توهماً بالتقدم دون حلول جذرية وجدية لأزمات المصريين الاقتصادية التي تتصاعد بخطى سريعة.