في خطوة لافتة، شدّد جيش الاحتلال الإسرائيلي عبر هيئة البث الرسمية على أن أي قوات أو معدات عسكرية مصرية تدخل إلى سيناء لا يتم إلا في إطار التنسيق الكامل مع تل أبيب، استنادًا إلى الملحق الأمني من اتفاقية السلام الموقعة عام 1979.

هذا التصريح، الذي قد يبدو بروتوكوليًا، جاء في توقيت حساس وسط تقارير متزايدة عن حشود عسكرية مصرية ضخمة في شمال سيناء، شملت وفق وسائل إعلام ما يقارب 88 كتيبة عسكرية تضم نحو 42 ألف جندي وأكثر من 1500 دبابة وآلية مدرعة، فضلًا عن تطوير قواعد عسكرية ومدارج جوية وأنظمة دفاعية قرب الحدود مع غزة.

 

رسائل مزدوجة من تل أبيب

يقرأ خبراء في الشأن الإسرائيلي هذه التصريحات باعتبارها تحمل رسالتين أساسيتين:

رسالة طمأنة للداخل الإسرائيلي بأن ما يجري في سيناء لا يشكّل تجاوزًا لاتفاقية "كامب ديفيد"، وأن مصر، رغم تصعيد حضورها العسكري، لا تتحرك خارج الإطار المتفق عليه منذ أكثر من أربعة عقود.

رسالة تذكير للقاهرة بأن مساحة تحركها العسكري والأمني لا تزال مرتبطة عمليًا بموافقة إسرائيلية، وهو ما يعكس استمرار القيود المفروضة على السيادة المصرية في سيناء، حتى مع التوسع الكبير للقوات المصرية هناك منذ العقد الماضي تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.

 

الحدود بين السيادة والتبعية

المفارقة أن القاهرة دافعت طويلًا عن تعزيز حضورها في شمال سيناء باعتباره جزءًا من "الحق السيادي" في حماية أراضيها وحدودها الشرقية. لكن التصريح الإسرائيلي الأخير يسلط الضوء مجددًا على الطابع "المقيّد" لهذا الوجود العسكري، حيث تتحول كل خطوة ميدانية إلى ملف تنسيق مع تل أبيب، ما يضع علامات استفهام حول حدود الاستقلالية المصرية في إدارة واحدة من أكثر المناطق حساسية أمنيًا في الإقليم.

 

دلالات التوقيت

يأتي ذلك بينما تتصاعد التوترات على حدود غزة وتتعاظم المخاوف الإسرائيلية من أي تحولات ميدانية في سيناء، خصوصًا مع تداول تقارير عن استعدادات مصرية لاستيعاب موجات نزوح محتملة من القطاع أو تشديد الرقابة على الأنفاق والمعابر. وفي هذا السياق، يبدو أن تل أبيب أرادت أن تحسم الجدل سريعًا عبر الإعلان العلني عن أن "كل شيء يتم بالتنسيق"، لتبعث برسالة مزدوجة: ضبط للرأي العام الإسرائيلي، وضغط استباقي على القاهرة لمنع أي خطوات أحادية قد تراها إسرائيل مهدِّدة لأمنها.

 

سيناء.. ساحة اختبار دائمة

منذ توقيع اتفاقية "كامب ديفيد"، ظلت سيناء ساحة اختبار للعلاقة المصرية – الإسرائيلية:

  • في مرحلة الثمانينيات، كان الانسحاب الإسرائيلي مرهونًا بترتيبات أمنية مشددة.
  • في العقد الماضي، حصلت مصر على استثناءات متكررة لتعزيز قواتها بدعوى محاربة الجماعات المسلحة.
  • واليوم، تتحول سيناء مرة أخرى إلى "منطقة مراقبة" من قبل تل أبيب، التي تذكّر الجميع بأن اليد العليا في تحديد حدود التحرك العسكري المصري ما زالت مرتبطة بالتوقيع الإسرائيلي على الملحق الأمني.

 

قوات إضافية وحالة استنفار

وكان موقع ميدل إيست آي قد كشف قبل أشهر، نقلًا عن مسؤول عسكري مصري رفيع، أن الجيش المصري نشر قوات إضافية على طول الحدود مع غزة وسط تصاعد المخاوف من أن يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى دفع الفلسطينيين للنزوح نحو شمال سيناء.

وأوضح المصدر أن مصر ترفض بشكل قاطع أي مخطط إسرائيلي يستهدف تفكيك حركة حماس وإجبار سكان غزة على مغادرة القطاع قسرًا، لافتًا إلى أن بعض الوحدات المصرية انتشرت في المنطقة (ج) المحاذية للقطاع، رغم القيود المفروضة بموجب الاتفاقية الأمنية. وقد أبلغت القاهرة تل أبيب بهذه التحركات التي قوبلت باعتراضات إسرائيلية بسبب حجم القوات ونطاق انتشارها.

وتخشى القاهرة من أن تؤدي العمليات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة في غزة، إلى جانب دعوات بعض المسؤولين الإسرائيليين لإعادة توطين الفلسطينيين خارج القطاع، إلى فرض واقع تهجير جماعي نحو سيناء، وهو ما تعتبره مصر "خطًا أحمر" يمس أمنها القومي.

وتنص اتفاقية كامب ديفيد على تقسيم سيناء إلى ثلاث مناطق بترتيبات أمنية خاصة، تحد من حجم وطبيعة القوات المصرية المنتشرة هناك، غير أن الاحتلال الإسرائيلي وافق خلال السنوات الماضية على إدخال قوات إضافية بطلب من القاهرة، خصوصًا في إطار الحرب ضد الجماعات المسلحة شمالي سيناء.

ورغم إصرار جيش الاحتلال على أن جميع التعزيزات المصرية جاءت في إطار تنسيق ثنائي مسبق، فإن تقارير إسرائيلية ودولية تحدثت عن تزايد القلق في الأوساط العسكرية الإسرائيلية من حجم الانتشار المصري، الذي وصف بأنه الأكبر منذ توقيع اتفاقية السلام بين البلدين قبل أكثر من أربعة عقود.