قفزت تحويلات العاملين في الخارج خلال العام المالي 2024-2025 بنسبة ضخمة بلغت 66.5% لتصل إلى 36.5 مليار دولار، وهو أعلى مستوى في تاريخ مصر. خبر يبدو مبهرًا للوهلة الأولى، لكن الحقيقة أنه يكشف فشلًا ذريعًا للسلطة في بناء اقتصاد قوي. فالنظام الذي وعد المصريين بمشروعات قومية عملاقة تحوّلت إلى عبء، لم يحقق أي عوائد حقيقية، ليصبح الاعتماد على أموال الغربة هو طوق النجاة الوحيد لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار الكامل.
اقتصاد قائم على الغربة.. لا على الإنتاج
بينما تتغنى حكومة السيسي بارتفاع التحويلات، يتساءل الخبراء: أين عوائد العاصمة الإدارية؟ وأين أرباح العلمين الجديدة؟ وأين جدوى مشروعات الطرق والكباري التي ابتلعت المليارات؟ الحقيقة أن هذه المشروعات لم تجلب دولارًا واحدًا لمصر، بل استنزفت الموارد وزادت الديون. وبدل أن تصبح مصر وجهة للاستثمار، أصبحت دولة تعيش على مدخرات أبنائها في الخارج، لأن الداخل تم تدميره اقتصاديًا بقرارات عشوائية.
القطاعات الإنتاجية تحتضر رغم المليارات
الأرقام الرسمية نفسها تكشف الفضيحة: قطاع الصناعة تراجع بنسبة تتجاوز 7% خلال العامين الأخيرين، والزراعة فقدت قدرتها على تلبية الاحتياجات المحلية حتى في المحاصيل الأساسية مثل القمح والذرة، ليقفز الاستيراد إلى مستويات غير مسبوقة. هذا يعني أن المليارات التي يرسلها المصريون في الغربة لا تذهب لتطوير مصانع ولا لإنقاذ الزراعة، بل تُهدر على مشاريع تجميلية ومظاهر استعراضية في الصحراء، بينما الاقتصاد الحقيقي ينهار يومًا بعد يوم.
آراء الخبراء: اقتصاد السيسي بلا بوصلة
يقول الدكتور محمود عبدالسلام، خبير الاقتصاد الكلي، إن هذا الرقم الضخم من التحويلات «يكشف أن المصريين بالخارج هم الممول الحقيقي لاقتصاد الدولة، وليس المشروعات القومية التي يتحدث عنها النظام ليل نهار». ويضيف أن «النظام فشل في خلق موارد إنتاجية حقيقية، ويعتمد فقط على القروض والتحويلات، وهو ما يضع مصر تحت رحمة الخارج في أي أزمة».
أما الخبير الاقتصادي أحمد علام، فيصف الوضع بأنه «اقتصاد هش يعتمد على الحظ والتحويلات لا على التخطيط»، ويحذر من أن «الزيادة في التحويلات ليست إنجازًا حكوميًا، بل نتيجة هروب الكفاءات للعمل بالخارج بسبب سوء الأوضاع الداخلية».
غضب وسخرية النشطاء: نحن نمول قصور السيسي
على مواقع التواصل، عبّر النشطاء عن غضبهم وسخريتهم من الوضع. كتب أحدهم: «36 مليار دولار من عرق المغتربين.. راحت فين؟ في القصور والعاصمة الإدارية ولا في الطيارات الرئاسية؟».
وعلّق آخر بحدّة: «لو المصريين رجعوا يوم واحد من الخليج، السيسي يعلن الإفلاس تاني يوم».
بينما كتب ناشط آخر: «مشروعات السيسي لا تجلب دولارًا واحدًا.. إحنا اللي بنمول مسرحية الاقتصاد الفاشل».
كارثة قادمة إذا توقفت التحويلات
الخبراء يحذرون: إذا انخفضت التحويلات أو توقفت لأي سبب، الاقتصاد المصري سينهار خلال أسابيع، لأن الدولة لا تملك احتياطيًا كافيًا ولا موارد إنتاجية حقيقية. ستقفز الأسعار إلى مستويات جنونية، الجنيه سيفقد نصف قيمته في أيام، والدولة قد تعجز عن سداد الديون ورواتب الموظفين. مصر اليوم تعيش على «الأوكسيجين» القادم من الخليج، وأي خلل في هذا الشريان يعني كارثة اقتصادية قد تدفع البلاد إلى الإفلاس الكامل.
من المستفيد؟ الشعب أم السلطة؟
السؤال الذي يطرح نفسه: من المستفيد من هذه المليارات؟ هل هو الشعب الذي يعيش نصفه تحت خط الفقر، أم السلطة التي تنفق ببذخ على القصور والطائرات الرئاسية؟ الحقيقة أن التحويلات تحولت إلى بنك شخصي للنظام لتمويل مشاريعه الاستعراضية وسد ديونه المتراكمة، بينما المواطن الذي حوّل أمواله من عرق غربته لا يجد حتى مياه نظيفة أو تعليمًا لائقًا لأبنائه. إنها مأساة اقتصاد بلا رؤية، تحكمه عقلية الجباية لا التنمية!