حين تقف الأهرامات شامخة في الجيزة، تتوقع أن تكون المنطقة المحيطة بها نموذجًا للجمال والنظافة والتنظيم، فهي واحدة من أعظم المعالم الأثرية في تاريخ البشرية ومقصد ملايين السياح سنويًا.
لكن الواقع شيء آخر تمامًا، أشبه بمشهد من فيلم أبوكاليبتكي: فوضى، زحام، قذارة، هرجلة، أكوام زبالة، وعشوائية تضرب كل زاوية من المكان.
المشهد ليس فقط مدعاة للحسرة، بل صدمة لكل من يزوره لأول مرة.
السائح القادم ليشاهد واحدة من عجائب الدنيا السبع يجد نفسه محاصرًا بمشهد لا يمت إلى عظمة التاريخ بصلة: شوارع ضيقة، عشوائيات، عربات كارو، زبالة متناثرة، أسلاك كهرباء متدلية، ولا أثر لواجهة حضارية تليق بموقع يُفترض أن يكون الأيقونة الأولى لمصر في العالم.
منطقة فيصل: إهمال بلا حدود
الطريق المؤدي من منطقة فيصل وصولًا إلى الأهرامات يمثل قصة إهمال مزمن ممتد لعقود. العمارات العشوائية تلتهم كل مساحة، الميكروباصات تصطف بلا نظام، الباعة الجائلون يحتلون الأرصفة، ومشهد الزبالة يرافقك من أول الطريق حتى تصل إلى منطقة الأهرام.
لا توجد خطة واضحة لتجميل المنطقة أو تطويرها، رغم أن الحديث عن مشروعات كبرى لتطوير الهرم يتكرر في الإعلام منذ سنوات.
أحد سكان المنطقة يقول بمرارة:
"كان المفروض المنطقة اللي حوالين الهرم كلها تبقى تحفة معمارية، شوارع واسعة، خدمات سياحية عالمية، ممرات للمشاة، أماكن للترفيه... لكن للأسف بقت عشوائية تضربك في وشك من أول ما تدخل فيصل لحد ما توصل الهرم."
لعنة سبعين سنة إهمال
الوضع الحالي ليس وليد اللحظة، بل نتاج سياسات تخطيطية كارثية وتجاهل حكومي ممتد منذ عقود. كل حكومة تأتي ترفع شعارات التطوير، ثم تنشغل بمشروعات العاصمة الإدارية أو الكومباوندات المغلقة، وتترك المناطق السياحية تعاني.
النتيجة: أعظم معلم أثري في العالم محاصر بأحياء عشوائية وخدمات متهالكة.
السياح بدورهم يلتقطون الصور للأهرامات، لكنهم أيضًا يوثقون العشوائية المحيطة بها.
وسائل إعلام عالمية انتقدت هذا المشهد مرارًا، معتبرة أن ما يحدث في منطقة الأهرامات "جريمة سياحية" بكل المقاييس، لأنه يضرب سمعة مصر السياحية في مقتل.
New York Post
The Sun
The Times
مليارات على العاصمة.. وصفر على الهرم
المفارقة الكبرى أن الدولة تنفق مليارات الجنيهات على العاصمة الإدارية الجديدة لتظهر كواجهة حضارية، بينما أول ما يراه السائح عند وصوله إلى القاهرة هو فوضى الجيزة والعشوائيات المحيطة بالأهرامات.
كيف يمكن لبلد يسعى لجذب السياحة أن يهمل أهم معلم سياحي لديه بهذه الطريقة؟
الخبراء يحذرون من أن الوضع لا يسيء فقط إلى السياحة، بل إلى صورة مصر عالميًا. يقول خبير الآثار والسياحة:
"الأهرامات مش مجرد حجارة.. دي تاريخ وحضارة. لما السياح يشوفوا الزبالة والعشوائية حوالين الهرم، بينسوا كل الكلام عن الحضارة وبيشوفوا بس الفوضى."
هل هناك أمل؟
رغم الإعلان عن مشروعات مثل تطوير منطقة الأهرامات وإنشاء ممشى سياحي، إلا أن التنفيذ بطيء جدًا، ومع كل زيارة جديدة تتجذر الصورة السلبية في أذهان الزوار. حتى الآن، لا توجد خطة جذرية لإزالة العشوائيات أو نقل الورش والأسواق التي تشوه المشهد، بينما الأولويات تُصرَف لمناطق بعيدة لا تمثل واجهة لمصر.
المنظر حول الأهرامات ليس مجرد قبح بصري، بل انعكاس لسياسات إهمال تخطيطية عمرها عقود. نحن أمام مفارقة صارخة: أعظم بناء هندسي في تاريخ البشرية يقف شامخًا وسط فوضى حضارية تثير الشفقة.
المشهد لا يحتاج إلى تصريحات ولا وعود، بل إلى إرادة سياسية حقيقية لتغيير ما أصبح عنوانًا على لعنة سبعين سنة إهمال.