حذّرت مؤسسة فيتش سوليوشنز التابعة لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني، في تقرير دوري صدر اليوم الإثنين، من أن الجنيه المصري يتجه نحو مزيد من التراجع أمام الدولار خلال السنوات المقبلة، في مسار طويل الأمد يهدد الاستقرار المالي والقدرة الشرائية للمصريين.

وبحسب التقرير، يتوقع أن يهبط الجنيه إلى 48.91 جنيهاً للدولار بنهاية العام الجاري 2025، على أن يشهد تحسناً طفيفاً ومؤقتاً عام 2026 ليصل إلى 47.50 جنيهاً، قبل أن يعاود التراجع إلى 48.45 جنيهاً في 2027، ويواصل النزيف مسجلاً 49.42 جنيهاً عام 2028.

يأتي ذلك متزامناً مع عودة الدولار للصعود مجدداً بعد فترة من الاستقرار النسبي، مدعوماً بتدفقات أموال ساخنة للاستثمار في أدوات الدين الحكومية قُدرت بنحو 40 مليار دولار.

وعلى الرغم من تأكيد فيتش أن البنك المركزي سيحاول وضع "سقف نسبي" لهبوط الجنيه لمنع الانزلاقات المفاجئة، إلا أن مسار العملة سيظل نزولياً، معتمدًا على سياسات نقدية متشددة مؤقتاً، يعقبها تيسير كبير مع انحسار التضخم.

كما توقعت فيتش أن تبدأ أسعار الفائدة الأساسية بالانخفاض تدريجياً من 24.5% حالياً إلى 21% بنهاية 2025، ثم إلى 11.25% في 2026، قبل أن تستقر عند 8.25% خلال الفترة بين 2028 و2034.

هذه التقديرات تكشف عن أزمة ممتدة لا انفراج قريب لها، حيث يبقى المواطن المصري أمام تحديات متفاقمة في مواجهة التضخم وتآكل قيمة مدخراته، في ظل عملة تفقد قوتها ببطء ولكن بثبات.

 

الدين الخارجي يضغط.. وتذبذب الجنيه مستمر

قال خبير التمويل والاستثمار وائل النحاس لـ"العربي الجديد"، إن قفز الدين الخارجي مجدداً فوق 162 مليار دولار، بالتزامن مع ارتفاع مستحقات أقساط وخدمات الدين إلى نحو 25 مليار دولار خلال العام المالي الجاري، وزيادة فاتورة استيراد المحروقات، وتراجع عوائد قناة السويس، إضافة إلى محدودية حصيلة بيع الأصول العامة، كلها عوامل ستجبر البنك المركزي على التمسك بسياسة التشدد النقدي، ما يبقي الجنيه في حالة تذبذب أمام الدولار والعملات الرئيسية.

ورغم ذلك، تبدي الحكومة قدراً من التفاؤل بتحسن أداء الجنيه، مشيرة إلى أن الدولار فقد نحو 5% من قيمته أمام العملة المحلية منذ مطلع العام. غير أن خبراء الاقتصاد يؤكدون أن هذا التحسن مؤقت، ويرتبط أساساً بانخفاض الطلب على الدولار من كبار المستثمرين والمستوردين، إضافة إلى تدفقات المصريين العاملين بالخارج خلال موسم الإجازات، إلى جانب انتعاش السياحة العربية وزيادة عوائد الرحلات الأجنبية.

وأكد المحللون أن الطلب الحقيقي على الدولار سيبدأ مع حلول شهر سبتمبر، حيث يحل موعد سداد الحكومة فوائد وأقساط الدين الأجنبي التي تدفع بمعدلات ربع سنوية وإقبال رجال الأعمال على تمويل صفقاتهم الجديدة، ودخول المدارس وحاجة المواطنين إلى سداد أقساط الجامعات والمدارس الدولية وشراء مستلزمات الإنتاج من الخارج. بينما أكد الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أن تأجيل صندوق النقد الدولي البت في المراجعة الخامسة، الشهر الماضي، مع حلول موعد المراجعة السادسة للاقتصاد المصري الشهر المقبل، ستكون حاسمة في تحديد قوة الجنيه مقابل الدولار.

وأشار عبد المطلب إلى أن تأجيل البت في منح قروض جديدة لمصر تقدر بنحو 1.7 مليار دولار حتى مطلع العام المقبل، سيثمل ضغطا هائلا على الجنيه لحين إتمام عمليات المراجعة في الربع الأول من العام المقبل 2026. ويتوقع محللون أن يصل الدولار إلى 49.9 جنيها وإلى 53 جنيها بنهاية العام، مع استمرار الضغوط الاقتصادية في ظل زيادة قيمة الواردات من الغاز والمحروقات، واستمرار حالة التوتر الجيوسياسي بالمنطقة، والعدوان الاسرائيلي على غزة.

في المقابل، يرى محللون أن صعود الجنيه في مطلع الشهر الجاري كان نتيجة زيادة المعروض من الدولار من مصادر طبيعية كالتحويلات والصادرات والخدمات السياحة، وليس نتيجة تدخلات مؤقتة أو تثبيت قسري للسعر من قبل البنك المركزي، مع الإشارة إلى أن المكاسب جاءت أساسا من ضعف الدولا عالميا مع استقرار الجنيه أمام سلة العملات الأخرى، وهو ما يقلل مخاطر المبالغة في التقييم بقيمته الحالية بالبنوك.

 

البنك المركزي المصري يتجه إلى خفض أسعار الفائدة

أظهر استطلاع لوكالة "رويترز" أن البنك المركزي المصري في طريقه لخفض أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 100 نقطة أساس (1%) في اجتماعه المقرر الخميس المقبل، في خطوة تستهدف دعم النمو الاقتصادي بعد تباطؤ التضخم وتحسن أداء الجنيه أمام الدولار.

وأجمع ثمانية محللين شملهم الاستطلاع على أن الفائدة على الإيداع ستنخفض إلى 23% وعلى الإقراض إلى 24%. وترى الخبيرة المالية آية زهير أن تراجع التضخم مؤخرًا، إلى جانب استقرار أسعار الطاقة وتحسن العملة المحلية، يمنح المركزي مساحة للتحرك نحو خفض الفائدة، مشيرة إلى أن الخفض قد يصل إلى 2% في حال اتساع هامش المرونة.

وأظهرت بيانات "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء" أن التضخم السنوي في المدن تراجع إلى 13.9% في يوليو مقابل 14.9% في يونيو، مدعومًا بانخفاض أسعار اللحوم والدواجن والفاكهة والخضروات، فيما استقر التضخم الأساسي عند 11.6%.

ويرى محللون أن المركزي قد يواصل سياسة التيسير النقدي التدريجي بعد أكثر من عام من التشدد، وسط توقعات متفاوتة لخفض الفائدة بين 100 و300 نقطة أساس. وأوضح رئيس البحوث في "الأهلي فاروس"، هاني جنينة، أن خفضًا بواقع 3% محتمل، لكنه سيظل يبقي أسعار الفائدة الحقيقية عند مستوى مرتفع يقارب 9%.