أثار قرار الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي بفرض غرامات بأثر رجعي على المصانع، بدعوى تجاوزها حدود استهلاك المياه منذ عام 2020، عاصفة من الانتقادات في الأوساط الاقتصادية والصناعية.
القرار، الذي جاء دون إنذار مسبق، يطال جميع سجلات الاستهلاك منذ أربع سنوات، في وقت تروج فيه الحكومة لخططها الخاصة بدعم الصناعة وزيادة الإنتاج المحلي، وهو ما اعتبره خبراء تناقضًا صارخًا يضرب الثقة الاستثمارية في مقتل.
قرار ارتجالي يضر بالصناعة
بحسب التعليمات، حُدد استهلاك القطاعات غير كثيفة الاستخدام للمياه بما بين 10 و20 مترًا مكعبًا شهريًا، بينما يُسمح للصناعات كثيفة الاستهلاك بضعف هذه الكمية.
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور هاني توفيق في تصريح خاص: "هذه الأرقام غير واقعية ولا تتناسب مع طبيعة النشاط الصناعي، خاصة الصناعات الغذائية والكيماوية التي تعتمد على المياه بشكل أساسي. مثل هذه القرارات الارتجالية تدمر تنافسية الصناعة المصرية وتخلق مناخًا طاردًا للاستثمار".
خلفية الأزمة: عجز مائي وحلول سطحية
تواجه مصر عجزًا مائيًا سنويًا يقدر بنحو 7 مليارات متر مكعب، وهو ما يعادل 55% من احتياجاتها، إضافة إلى التحديات التي يفرضها سد النهضة الإثيوبي وارتفاع ملوحة مياه النيل.
لكن بدلاً من ابتكار حلول متوازنة ومستدامة، يرى الخبراء أن الحكومة اختارت الحل الأسهل بنقل العبء إلى المصانع.
يقول الدكتور مصطفى بدرة، أستاذ التمويل والاستثمار: "التعامل مع أزمة المياه من خلال فرض غرامات بأثر رجعي يعكس غياب التخطيط السليم. كان من الممكن التدرج في تطبيق هذه المقننات وإعطاء مهلة زمنية بدلاً من المفاجأة، خاصة وأن المصانع تسدد فواتيرها بانتظام ولم يتم إخطارها بأي حدود للاستهلاك مسبقًا".
المصانع في حالة استنفار: اجتماع عاجل مطلوب
في مواجهة هذه الأزمة، تحركت جمعية رجال الأعمال المصريين للتواصل مع الحكومة، مطالبة بعقد اجتماع عاجل مع رئيس الوزراء ووزير الإسكان لمناقشة القرار.
ويضيف الخبير الصناعي محمد البهي، رئيس لجنة الضرائب والجمارك باتحاد الصناعات المصرية: "الغرامات بأثر رجعي غير قانونية وتضرب مبدأ استقرار التشريعات. يجب التراجع عن القرار أو على الأقل تطبيقه من تاريخ صدوره، وليس بأثر رجعي".
الحكومة تعطيش الصناعة قبل المواطن
أثار القرار سخطًا واسعًا، إذ اعتبره خبراء جزءًا من سياسة ارتجالية تضر بأهم قطاع اقتصادي في البلاد.
يؤكد الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية: "الحكومة تتحدث عن دعم الصناعة وزيادة الصادرات، لكنها في المقابل تفرض إجراءات تعجيزية. مثل هذه القرارات قد تؤدي إلى توقف بعض المصانع وتقليص الإنتاج، وهو ما سينعكس سلبًا على النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل".
رسالة سلبية للمستثمرين
يحذر المراقبون من أن هذه الخطوة ترسل رسالة سلبية إلى المستثمرين المحليين والأجانب، مفادها أن القوانين والقرارات قد تتغير فجأة وبأثر رجعي.
يعلق الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي قائلاً: "المناخ الاستثماري يحتاج إلى استقرار وتشجيع، لا إلى مفاجآت تشريعية. تطبيق القرارات بأثر رجعي يفقد الحكومة مصداقيتها ويثير مخاوف المستثمرين الذين يبحثون عن بيئة مستقرة وآمنة".