أثار إعلان البنك المركزي المصري عن اشتراط تحقيق مبيعات بقيمة 50 مليون جنيه خلال فترة التمويل للحصول على قروض بفائدة 5% للمشروعات الصغيرة والمتوسطة موجة من السخرية والانتقادات من الخبراء ورواد الأعمال، الذين اعتبروا أن الشرط يناقض تمامًا مفهوم المشروعات الصغيرة.
القرار يثير الجدل: "مشروع صغير أمشركة عملاقة؟"
القرار الذي روج له البنك المركزي على أنه لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، اعتبره كثيرون مجرد شعار فارغ المضمون. فالاشتراطبتحقيق 50 مليون جنيه مبيعات يعني عمليًا استبعاد أغلب المشروعات الصغيرة التي لا تتجاوز مبيعاتها مئات الآلاف أو بضعة ملايين في أحسن الأحوال.
الخبير الاقتصادي هشام إبراهيم قال:"من يحقق مبيعات بـ50 مليون لم يعد مشروعًا صغيرًا. هذه شركات كبيرة بالفعل، وبالتالي القرار موجه لفئة محددة، وليس لأصحاب المشروعات الصغيرة التي تحتاج الدعم الحقيقي."
سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي
على مواقع التواصل، انتشرت التعليقات الساخرةالتي وصفت القرار بـ"المستحيل". أحد رواد الأعمال كتب: "يعني أبيع سندوتشات بـ50 مليون عشان آخد قرض؟ ده لو بعت كوكب الأرض مش هجيب الرقم!"
في السياق نفسه، علق المحلل الاقتصادي خالدالشافعي قائلاً: "الاشتراطات الحالية غير واقعية ولا تتناسب مع طبيعة المشروعات الصغيرة في مصر. هذه الإجراءات تعكس انفصال صانعي القرار عن واقع السوق."
المفهوم الدولي للمشروعات الصغيرة.. أين نحن منه؟
المشروعات الصغيرة في المعايير الدولية عادة لا تتجاوز مبيعاتها السنوية 10 ملايين جنيه، وتعمل بفرق محدودة العدد. بينما المشروعاتالتي تحقق 50 مليون وأكثر تصنف ضمن الشركات المتوسطة إلى الكبيرة.
الخبير المصرفي أشرف القاضي قال: "عندما نضع سقفًا مثل 50 مليون، فنحن نتحدث عن شركات لديها قدرة تسويقية ضخمةوأرباح عالية. أين الفلاح الصغير أو الورشة أو المصنع الناشئ من هذا الشرط؟"
أثر القرار على السوق ورواد الأعمال
القرار، بحسب الخبراء، قد يؤدي إلى تهميش رواد الأعمال الشباب الذين يحاولون إطلاق مشروعات مبتكرة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.هذه الفئة كانت تأمل في تسهيلات فعلية، لا في شروط تعجيزية.
المحلل الاقتصادي رضا عبد السلام أكد أن: "المشروعات الصغيرة تمثل العمود الفقري لأي اقتصاد، وإذا لم تحصل على دعم حقيقيستظل في دائرة العجز، وسيفقد الاقتصاد المصري فرصة خلق فرص عمل وتقليل البطالة."
رسالة إلى البنك المركزي.. دعم حقيقي لا شعارات
انتقد اقتصاديون ما وصفوه بمحاولة البنك المركزي "تجميل" سياسات الإقراض دون النظر للواقع. فمع التضخم، وارتفاع تكاليفالتشغيل، وفقدان السيولة، تحتاج المشروعات الصغيرة إلى برامج دعم مرنة تتيح لها البقاء والنمو، لا إلى شروط تجعلها أقرب إلى الشركات الكبرى.
أحد رواد الأعمال علق ساخرًا: "المشروعاتالصغيرة محتاجة مبيعات بـ50 مليون عشان تاخد قرض؟ يبقى المشروعات الكبيرة محتاجة تشتري الأهلي والزمالك عشان تدخل البرنامج!"
الخلاصة.. القرارات الاقتصادية في وادٍ والواقع في وادٍ آخر
بينما يروج المسؤولون لمبادرات دعم المشروعات الصغيرة، تأتي مثل هذه الاشتراطات لتكشف الفجوة الكبيرة بين السياسات الحكومية وواقعالسوق. فالمشروعات الصغيرة في مصر، التي تكافح للبقاء في ظل الغلاء والركود، تجد نفسها خارج أي دائرة دعم حقيقية، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى كل فرصة عمل وكل فكرة إنتاجية.
ويبقى السؤال: هل يصح أن نطلق على شركةتحقق مبيعات بـ50 مليون جنيه "مشروعًا صغيرًا"؟ أم أن هذه مجرد شعارات براقة لتجميل صورة سياسات لا تلامس الواقع؟