أعلنت وزارة المالية عن إصدار جديد من الصكوك السيادية، موضحة أن عوائدها ستكون أقل من أرباح سندات الخزانة التقليدية بنحو 50 إلى 75 نقطة أساس، في خطوة وصفتها الحكومة بأنها "تنويع لأدوات التمويل" وجذب لمستثمرين جدد.
غير أن هذه الخطوة أثارت موجة قلق وانتقادات حادة من خبراء ومراقبين، اعتبروها حلقة جديدة في مسلسل الارتهان الاقتصادي وبيع الأصول الوطنية.
 

حكومة لا ترى سوى الاقتراض
مرة أخرى، تلجأ الحكومة إلى أدوات اقتراض جديدة، دون أي رؤية اقتصادية واضحة للخروج من الأزمة المالية.
الصكوك السيادية ليست مجرد أدوات مالية عادية، بل مرتبطة بأصول حقيقية — أي أن الحكومة ترهن ممتلكات الدولة، مثل الموانئ أو الأراضي أو الأصول الاستراتيجية، مقابل تمويل مؤقت.

كيف يمكن لدولة تزعم الحفاظ على سيادتها، أن تقبل برهن أصولها لصالح مستثمرين أجانب تحت مسمى "حقوق انتفاع"؟
وأين الشفافية في تحديد هذه الأصول؟ وأين البرلمان من هذه القرارات المصيرية؟

 

أرقام خادعة.. وخطر حقيقي
تفاخر الحكومة بأن عائد الصكوك أقل بـ0.5% من السندات التقليدية، لكنها تتجاهل الحقيقة الكبرى:

الاقتراض يبقى اقتراضًا، سواء انخفضت تكلفته أم لا.

في بلد تجاوزت خدمة الدين فيه نصف موازنته العامة، فإن أي تمويل جديد هو عبء إضافي لا مجرد وسيلة دعم.

لا يمكن اعتبار الحصول على بضعة مليارات عبر رهن الأصول "إنجازًا ماليًا"، بل هو حل قصير الأجل يترك خلفه أثقالًا سترثها الأجيال القادمة.
 

الصكوك.. الخصخصة المقنّعة؟
أخطر ما في الصكوك السيادية هو طبيعتها الخفية.
فالحكومة تمنح المستثمرين حقوقًا طويلة الأجل على أصول الدولة، ما يضع هذه الممتلكات في دائرة الخطر. وإذا عجزت الدولة مستقبلًا عن السداد، فإن هذه الأصول قد تخرج تمامًا من يدها.

إنها خصخصة غير معلنة، تتم في الظل، تحت غطاء "تنويع التمويل"، بعيدًا عن أعين الشعب والرقابة.

 

تسويق الوهم بدلاً من المكاشفة
السلطات تتحدث عن الصكوك وكأنها اكتشاف اقتصادي، بينما في الحقيقة:

  • لا يعرف المواطنون ما هي الأصول التي ستُستخدم كضمان.
  • لا توجد أي معلومات شفافة عن حجم المخاطر.
  • يتم تسويق المشروع بعبارات اقتصادية براقة، دون نقاش مجتمعي أو توضيح حقيقي.

وكأن المطلوب من الشعب أن يصدق دون أن يسأل.
 

إلى أين تتجه مصر؟
ما يجري اليوم هو فصل جديد من التفريط في السيادة الاقتصادية، حيث تتصرف الدولة كما لو كانت شركة مفلسة تبحث عن أي تمويل بأي ثمن — حتى لو كان الثمن هو مستقبل الوطن وأصوله.

الحقيقة التي لا تُقال:
الصكوك ليست حلاً، بل قيدٌ جديد يُضاف إلى سلسلة القيود التي تُكبّل الاقتصاد المصري.

كل ذلك يجري في غياب الشفافية، ودون أي مشاركة حقيقية من الشعب، الذي يدفع الثمن دون أن يُستشار.
 

الخلاصة
الصكوك السيادية، كما تطرحها الحكومة اليوم، ليست أداة تنمية بل أداة رهن، تضع أصول المصريين تحت تصرف الدائنين، وتعمّق التبعية الاقتصادية، وتغلق باب السيادة على المستقبل.

إن لم يتوقف هذا النهج، فسنشهد قريبًا اقتصادًا بلا سيادة، وبلدًا بلا ممتلكات عامة، وشعبًا يدفع فواتير لم يوافق عليها أبدًا