يعيش القطاع العقاري واحدة من أعقد أزماته منذ عقود، وسط مؤشرات متشابكة تنذر بما يصفه خبراء بـ"فقاعة صامتة" تهدد بانهيار غير معلن، في ظل ركود حاد في الطلب يقابله استمرار في ارتفاع الأسعار على الورق، وتشدد حكومي وبنكي يضغط على المطورين، وتحولات جذرية في أنماط البيع والشراء.
أزمة سيولة خانقة
رغم الارتفاع المستمر لأسعار الوحدات، يشكو مطورون عقاريون من أزمة سيولة ممتدة منذ أربع سنوات، اشتدت مؤخرًا مع تشدد البنوك في إقراض الشركات وغياب التمويل المصرفي، ما دفعهم للاعتماد شبه الكامل على التمويل الذاتي لمشروعاتهم. هذا الوضع ضاعف الأعباء المالية، خاصة في ظل تراكم مديونيات الأراضي والأقساط المستحقة لهيئة المجتمعات العمرانية.
ويشير أسامة سعد الدين، مدير غرفة التطوير العقاري، إلى أن القفزات القياسية في أسعار الحديد والأسمنت والكهرباء ضاعفت تكاليف البناء، بينما تآكلت القدرة الشرائية للمستهلك بسبب انخفاض الدخل وقيمة الجنيه، ما جعل تسعير الوحدات الجديدة معضلة حقيقية بين تحقيق أرباح مقبولة وتلبية قدرات السوق.
تشدد حكومي وضغوط على المستثمرين
تحتكر الحكومة عبر أذرعها المدنية والعسكرية حق تخصيص الأراضي الجديدة، مع فرض رسوم على الأراضي غير المطورة، بل واشتراط اقتطاع 50% من مساحة بعض الأراضي المخصصة للمشروعات الزراعية لتحويلها إلى سكنية، إضافة لرسوم تصل إلى 1500 جنيه للمتر. كما ترفض الجهات المعنية تسليم أي أراضٍ جديدة للمطورين قبل سداد جميع المديونيات، ما يعطل خطط التوسع.
ويرى مستثمرون أن القرارات الحكومية الأخيرة، خاصة تلك الصادرة في يوليو الماضي، تمثل تغييرًا للعقود والشروط المالية المتفق عليها مسبقًا، في خطوة يعتبرونها "تأميمًا غير مباشر" للاستثمار الخاص، لاسيما مع تزايد سيطرة الكيانات السيادية على الأراضي.
ركود في الطلب وابتكار في التسهيلات
السوق تشهد ركودًا واضحًا، إذ يتجه المشترون إما للانتظار أملاً في هبوط الأسعار، أو للبحث عن صفقات في السوق الثانوي، أو التوجه إلى الإيجار الذي عاد للانتعاش. وفي مواجهة هذا الركود، قدمت الشركات تسهيلات غير مسبوقة وصلت لبيع الوحدات بدون مقدمات، وتمديد الأقساط إلى 7–12 عامًا، وفي بعض الحالات حتى 20 عامًا عبر القروض.
ورغم نفي سعد الدين لوجود "فقاعة عقارية" مشابهة لأزمة الرهن العقاري الأمريكية في 2008، إلا أنه حذر من أن الاعتماد الواسع على القروض البنكية في المستقبل قد يجعل السوق عرضة لسيناريو مشابه إذا تراجعت دخول المشترين أو ارتفعت البطالة.
حرق الأسعار و"التعايش مع التضخم"
بحسب محللين، يرفع المطورون الأسعار لتغطية تكاليف البناء والفوائد المتزايدة، متوقعين استمرار انخفاض الجنيه خلال السنوات المقبلة، فيما تنتشر ظاهرة "حرق الأسعار" في العاصمة الإدارية والقاهرة الجديدة والشيخ زايد والساحل الشمالي، حيث يضطر بعض الحاجزين لبيع وحداتهم بخسائر تصل إلى 20% لتجنب العجز عن سداد الأقساط.
ويحذر هؤلاء من أن استمرار البناء والتسعير على افتراضات مستقبلية غير واقعية سيؤدي إلى تخمة في المعروض دون طلب حقيقي، وهو ما قد يسرّع من انفجار الفقاعة الصامتة.
تحولات في الطلب
أصبح الطلب يتركز على الوحدات الصغيرة (65–90 م²) لسهولة تحمل أقساطها ومرونتها في إعادة البيع، فيما تراجعت جاذبية الوحدات الكبيرة بسبب أسعارها الباهظة وصعوبة تصريفها عند الحاجة للسيولة.
تحذيرات ومطالب بإنقاذ القطاع
في خطاب رسمي للحكومة، حذرت لجنة التطوير العقاري بجمعية رجال الأعمال من تعثر المزيد من الشركات وفقدان ثقة العملاء، مطالبة بإعادة مبادرات التمويل العقاري وخفض الفائدة على قروض البناء، وتوسيع طرح الأراضي للبناء، ومنح الشركات المتعثرة مهلاً لسداد المديونيات، وتشجيع الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص.
قانون الإيجارات الجديد: معروض أكبر وتحديات جديدة
يتوقع اقتصاديون أن يؤدي تطبيق قانون الإيجارات الجديد إلى طرح ملايين الوحدات المغلقة للإيجار دفعة واحدة، ما قد يضغط على الأسعار ويهز سلسلة الإمداد في القطاع، من المقاولين إلى موردي مواد البناء، في وقت يعتبر فيه العقار أكبر مشغل للعمالة في مصر.
ويؤكد الدكتور مجدي قرقر، أستاذ التخطيط العمراني بجامعة القاهرة، أن القانون رغم عيوبه سيزيد المعروض من الوحدات للإيجار ويحد من المبالغة في الأسعار، لكنه لن يحمي المضاربين من الخسائر.