في صباح الأربعاء 6 أغسطس 2025، وعلى مدى دقائق معدودة، تم منع ما يناهز 100 من أعضاء هيئة التدريس والعاملين، من أساتذة ومعيدين وإداريين وعمال، من دخول مقرّ معهد هندسة وتكنولوجيا الطيران التابع للأكاديمية المصرية لعلوم الطيران في إمبابة، الجيزة، وذلك دون سابق إنذار أو إذن قانوني أو تحقيق رسمي.
بدأت الأزمة عندما منع نحو 100 من أعضاء هيئة التدريس والإداريين والعمال من دخول مقر عملهم، دون استدعاءات للتحقيق أو إخطارات بالفصل كما ينص القانون، رغم تعيينهم بقرارات وزارية رسمية.
هذا الرفض الإداري جاء بطريقة مفاجئة، إذ تم إرسال رسالة واتساب بأسماء من سيتم تجديد خدمتهم، مع منع الباقين من الدخول، مما اضطر المتضررين إلى تحرير محاضر في أقسام الشرطة وتقديم شكاوى لدى جهات متعددة، منها النيابة العامة والنيابة الإدارية والوزارة ومجلس الوزراء، بالإضافة إلى تقديم بلاغات في مكتب العمل ووزارة القوى العاملة.
وأفاد المفصولون أن الخلاف الحقيقي وراء هذا الفصل هو "نهج إداري قمعي" يتبعه رئيس الأكاديمية اللواء عزت متولي، الذي كان يتعامل معهم عبر مطالب لأداء التحية العسكرية له، وهو ما رفضه موظفون مدنيون، الأمر الذي اعتُبر ذريعة لإقصائهم من العمل.
ويشير مسؤولون سابقون في الأكاديمية إلى وجود توجيه مباشر من قيادات عليا للتخلص من كل من يعارض سياسات السيسي أو يرفض الخدمة العسكرية الرمزية في الجهاز المدني
تصرف تعسفي..
القرار جاء فجائيًا دون إخطار قانوني أو تحقيق، وهو ما يخالف اللوائح القانونية التي تنظم التعيين والفصل في الجامعات.
المفصولون، ممن تم تعيينهم بقرارات وزارية من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وصفوا قرار الفصل بأنه "يُلغى قرارات تعيين وزارية بقرار إداري".
هم حركوا بلاغات رسمية ضد هذا القرار، إلى مصلحة الشرطة، النيابة العامة، النيابة الإدارية، مجلس الوزراء، وزارة التعليم العالي، وكذلك وزارة القوى العاملة، كما تبين أن هناك استقطاعات مالية غير قانونية وصلت إلى 12% من الرواتب دون سند قانوني، مما يطرح شبهة إهدار المال العام.
الإطار السياسي والخلافات الإدارية
المفصولون أرجعوا الواقعة إلى نهج إداري قمعي يتبعه اللواء عزت متولي، رئيس الأكاديمية، بالتعاون مع الدكتورة آمنة حسن السيد عمر، القائمة بأعمال عميد المعهد، والمستشار القانوني عمرو أمين عليوة.
وأشاروا إلى أن من بين أسباب الفصل هو الخلافات السياسية وربما الأكاديمية، وانعكاس ذلك على امتناع بعضهم عن أداء التحية العسكرية لرئيس الأكاديمية—رغم أنهم مدنيون ويخضعون للوزارة وليس للسلطة العسكرية.
أثار القرار الجائر جدلاً واسعًا في الأوساط الأكاديمية؛ وُوصف بـ"الإجراءات التعسفية" و"المذبحة الأكاديمية"، كونه يقمع حرية الرأي ويهدم معايير التعيين الأكاديمي وفق القانون.
في قاعة المعهد ومجالس الوزارة، انعقد اجتماع طارئ بحضور ممثلين عن وزارة التعليم العالي والجهات الرقابية لمحاولة احتواء الأزمة، مع مطالبات بالتحقيق في مشروعية الإجراءات وسرعة إنقاذ المعهد من الانهيار القانوني والأكاديمي.
الخطر الأكبر.. تدمير حرية الأكاديمية والإصلاح
هذه الحادثة تقع ضمن سلسلة من الانتهاكات المتكررة لحرية البحث والتدريس في عهد السيسي، فعلى الرغم من أن دستور 2014 ينص على ضمان استقلال الجامعات وتعزيز البحث العلمي، إلا أن الواقع يعكس تضييقًا حادًا على هذه الحريات.
مصر أصبحت من أكثر الدول تقييدًا للفضاء الأكاديمي، مع تدخلات مستمرة في التعيينات والحريات الفكرية.
صوت الأكاديميين المقهورين
المفصولون يناشدون الآن:
- رئاسة الانقلاب ورئاسة مجلس الوزراء التدخل الفوري لوقف المذبحة الأكاديمية.
- إجراء تحقيق شفاف وعلني، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاك.
- ضمان عودة المفصولين إلى أعمالهم، وإنهاء قرار الفصل التعسفي.
- معالجة الضرر المالي ورفع الخصومات العدوانية من رواتبهم قدر الإمكان.
أزمة تعكس أزمة أكبر
إن فصل هذا العدد من الأكاديميين دون تحقيق أو إشعار مسبق، يمثل انتهاكًا صارخًا للأعراف الأكاديمية والقانون، إنها دلالة جديدة على هيمنة المنطق الأمني العسكري داخل مؤسسات التعليم العالي، ورفض قبول الاختلاف الفكري والسياسي، القضية بهذه الطبيعة الأليمة لا تخص المعهد وحده، بل تعكس أزمة وطنية في حرية التعليم، تحتاج إلى إصلاح جذري وحقيقي.