تواجه مصر وضعًا اقتصاديًا بالغ الصعوبة رغم تسجيل بعض المؤشرات الإيجابية خلال العام الماضي. ورغم تراجع معدّل التضخم وتدفّق بعض التمويلات الخارجية، لا تزال البلاد تعاني تحت وطأة خدمة الدين المرتفعة، وتراجع إيرادات قناة السويس، وتضاؤل إنتاج الغاز، والاعتماد الكبير على واردات القمح، إضافة إلى هيمنة الجيش على قطاعات واسعة من الاقتصاد.

وقال المركز العربي واشنطن دي سي ان رئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي يحاول توجيه انتباه الرأي العام نحو قضايا السياسة الخارجية حيث يعتقد أن موقعه أقوى، لكن الشارع المصري لا يزال غاضبًا من ارتفاع تكاليف المعيشة، فيما يؤجّل السيسي تنفيذ وعوده بخصخصة الشركات المملوكة للجيش لضمان رضا المؤسسة العسكرية.

 

تراجع التضخم وتحسّن نسبي

سجّل التضخم في مصر انخفاضًا إلى 14.9% في يونيو 2025 بعد أن بلغ ذروته عند 38% في سبتمبر 2023. كما انخفضت أسعار السلع الاستهلاكية الحضرية بنسبة 0.1% مقارنة بزيادة 1.9% في مايو. وتوقّع الخبراء نموًا اقتصاديًا بنسبة 4.2% للسنة المالية 2025، كما استقرّ سعر الجنيه المصري بعد أن فقد أكثر من ثلثي قيمته خلال السنوات الماضية.

قدّمت الإمارات استثمارات كبرى، من بينها مشروع سياحي ضخم في رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار. كذلك تحسّنت عائدات السياحة وتحويلات المصريين بالخارج، ما ساهم في توفير بعض السيولة للبنوك التجارية وزيادة القروض الموجهة للقطاع الخاص.

 

ثلاث أزمات اقتصادية متواصلة

مع ذلك، تواجه مصر تحديات اقتصادية حادّة. أولها الانخفاض الحاد في عائدات قناة السويس بنسبة 60% بعد بدء الهجمات الحوثية على سفن مرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، ما دفع شركات الشحن لتجنّب المسار عبر القناة واللجوء إلى الطريق الأطول حول رأس الرجاء الصالح. وتسعى مصر لتعويض الخسائر عبر تطوير خدمات صيانة السفن، لكن ذلك لن يعوّض غياب العائدات الأساسية.

ثانيًا، تعاني مصر أزمة في إمدادات الغاز الطبيعي بسبب ارتفاع الطلب المحلي وتراجع الإنتاج المحلي، إضافة إلى تعثّر واردات الغاز من حقل "لفياثان" الإسرائيلي إثر إغلاقه خلال الحرب بين إسرائيل وإيران في يونيو. أدّى ذلك إلى تقنين الكهرباء واللجوء لاستخدام الوقود التقليدي عالي التكلفة. ويؤكد خبراء أن مصر تحتاج إلى زيادة الاستثمار في إنتاج الغاز محليًا.

أما التحدي الثالث، فهو الاعتماد المستمر على واردات القمح لتغطية احتياجات السكان البالغ عددهم نحو 110 ملايين نسمة. من المتوقع أن تستورد مصر 13 مليون طن من القمح في السنة المالية الحالية، مقابل إنتاج محلي محدود سيزيد بنسبة 1% فقط. وتسبّب هذا الاعتماد في استنزاف احتياطات النقد الأجنبي، خاصة مع استمرار دعم الخبز الذي يعتمد عليه أكثر من 70% من السكان، رغم تقليصه تحت ضغط صندوق النقد الدولي.

 

أعباء الدين والمشروعات المكلفة

بلغ الدين الخارجي لمصر 153 مليار دولار منتصف 2024، ما يعادل 40% من الناتج المحلي، وتستنزف خدمة الدين نحو 65% من الإنفاق الحكومي المتوقع في العام المالي 2025/2026. ولتمويل مشاريعه الطموحة مثل العاصمة الإدارية التي تُقدّر تكلفتها بـ58 مليار دولار، اتجه السيسي نحو الاقتراض وخفض الإنفاق الاجتماعي، رغم أن ثلث المصريين يعيشون تحت خط الفقر.

 

دور الجيش يقلق صندوق النقد

انتقد صندوق النقد في مراجعته الأخيرة اتّساع دور الجيش في الاقتصاد، مشيرًا إلى وجود 97 شركة مملوكة للجيش، 73 منها في القطاع الصناعي. وذكر التقرير أن هذه الشركات تستحوذ على نحو 36% من سوق مواد البناء مثل الرخام والأسمنت والحديد. وأشار إلى عدم التزام الحكومة ببيع حصص منها رغم تعهداتها السابقة، محذرًا من أن ذلك يثني المستثمرين عن دخول السوق بسبب المزايا غير التنافسية التي تحظى بها الشركات العسكرية.

كما لاحظ الصندوق تعثّر برنامج الخصخصة خلال 2024 رغم بعض التقدّم في 2023، وخصّ بالذكر الهيئة العامة للبترول التي تُقدّر خسائرها بـ3 إلى 4 مليارات دولار وتُموَّل عبر قروض حكومية، مما يعمّق عجز الموازنة.

 

الاعتبارات السياسية تتقدّم

تجنّب السيسي خصخصة شركات الجيش خشية زعزعة استقرار النظام، إذ يعتمد على دعم المؤسسة العسكرية لبقائه في الحكم. منحه الجيش حصصًا اقتصادية واسعة ومناصب في مؤسسات الدولة لضمان ولائه.

في المقابل، أدّت الأزمة إلى تآكل الطبقة المتوسطة، إذ أفقد التضخّم وارتفاع الدولار أجور المواطنين قيمتها الشرائية. ومنذ تولّي السيسي الحكم، ازدادت معاناة الأسر المصرية، رغم وعوده بتحسين الأوضاع الاقتصادية.

 

الرهان على السياسة الخارجية

يسعى السيسي للتغطية على الفشل الاقتصادي بالتحرّك الخارجي، وركّز على الحرب في غزة لإبراز دور مصر كوسيط يسعى للتهدئة، مهاجمًا سياسات نتنياهو. كذلك عارض بعض المقترحات الأمريكية مثل خطة نقل الفلسطينيين من غزة، ورفض استقبالهم، مستندًا إلى الموقف الشعبي المصري الرافض لأي تهجير دائم للفلسطينيين.

لكن إن انتهت الحرب في غزة دون تهجير، وبدأت دول الخليج تمويل إعادة الإعمار، سيعود تركيز المصريين على الاقتصاد. وعلى الرغم من أن احتمال اندلاع ثورة جديدة لا يبدو وشيكًا، يبقى خطر الانفجار قائمًا مع تزايد الضغوط السياسية والاقتصادية.

وفي ظلّ تردّد السيسي في فتح الاقتصاد أمام القطاع الخاص أو تقليص نفوذ الجيش، من المرجّح أن تواصل مصر السير في دائرة اقتصادية مغلقة، فيما يعاني المواطنون من غلاء المعيشة دون حلول ملموسة تلوح في الأفق.

https://arabcenterdc.org/resource/sisis-foreign-policy-fails-to-obscure-egypts-festering-economic-problems/