أصبحت قضية سحب الأراضي من المستثمرين المصريين بزعم التأخير في التنفيذ ثم إعادة طرحها أو تسليمها لمستثمرين إماراتيين وخليجيين أحد أبرز الملفات المثيرة للجدل في السوق العقاري المصري، حيث تندمج فيها أبعاد اقتصادية وسياسية وأمن قومي، في ظل تساؤلات المواطنين حول أسباب التفريط في ثروة البلاد العقارية، ومدى عدالة الإجراءات الحكومية في تخصيص وإعادة توزيع الأراضي.
ما هي هذه الأراضي؟ وأين تقع؟
تشمل الأراضي المسحوبة من المستثمرين المصريين مناطق متعددة، تأتي في مقدمتها أراضي الساحل الشمالي ومدينة العلمين الجديدة وبعض المدن الجديدة الأخرى مثل العاشر من رمضان وبدر والسادات والمنيا الجديدة.
تتركز الأراضي غالبًا في مناطق سياحية متميزة وسواحل جاذبة لرؤوس الأموال الخليجية، بالإضافة إلى مناطق صناعية واستثمارية حيوية.
بلغت مساحة بعض هذه الأراضي آلاف الأفدنة، حيث تراوحت المساحات بين قطع صغيرة للمشروعات السكنية والاستثمارية، وأراضي شاسعة للمطورين الكبار في القطاع السياحي والعقاري، ففي إحدى الدورات، تم طرح أكثر من 26,000 قطعة أرض بأنواع إسكان مختلفة في مدن جديدة بين عامَي 2015 و2016.
متى بدأت عمليات سحب وطرح الأراضي؟
بدأت الظاهرة تتصاعد منذ عام 2018، مع صدور تعديلات على آليات تخصيص الأراضي من قبل وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، فأضحت الدولة تسحب قطع الأرض من الشركات أو المستثمرين الذين لم يلتزموا بالجداول الزمنية للتنفيذ أو سداد الأقساط، ثم تعيد طرحها ضمن منافسات جديدة.
في العام الأخير فقط، أكدت وزارة الإسكان أنه تمت إعادة طرح مئات القطع التي تم سحبها في مناطق عدة، ضمن خطة تستهدف تحقيق أقصى استفادة من الأرض عبر الحزم الاستثمارية، وضمان جدية المطورين الجدد وضخ الاستثمارات الأجنبية.
الحجج الرسمية لسحب الأراضي
تستند الجهات المعنية، خاصة وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية بحكومة الانقلاب، إلى مجموعة من الحجج، أبرزها:
- تأخر المستثمرين عن التنفيذ أو عدم تحقيق نسبة الإنشاء المتفق عليها (غالبًا 15% خلال سنوات محددة).
- تراكم المديونيات أو عدم سداد أقساط الأراضي لمدة طويلة بلغت أرقامًا فلكية تخطت 15 مليار جنيه على شركات استثمار سياحي، و10 مليارات جنيه أخرى من متأخرات التطوير العقاري.
- حالات “تسقيع الأراضي”: أي شراء الأرض لرفع سعرها بدون تنفيذ مشروعات حقيقية
يؤكد المسؤولون أن تلك الخطوة تهدف لتفعيل الأسواق العقارية ومنع الاحتكار، حيث يتم سحب الأراضي من غير الجادين وطرحها لمن لديهم قدرة مالية وفنية عاجلة على التنفيذ، مع منح بعض الشركات المتعثرة مهلاً إضافية إذا ثبت تنفيذ مشروعاتها بنسبة تتعدى 70–80%.
صرح الفريق مهندس كامل الوزير وزير الصناعة والنقل بحكومة الانقلاب في أكتوبر 2024 قائلاً: "هناك من حصل على الأرض من الدولة وقام بتسقيعها وسنسحبها منه أو أخذ أرض من الدولة وأنشأ مصنعًا وقام بغلقه بدون أي أسباب... سنقوم بسحبه منه طالما لا يقوم بتشغيل المصنع... لكي يحصل عليها مستثمر جاد”.
من جانبه، نفى المتحدث باسم حكومة الانقلاب المصرية، في يوليو 2025، تدخل كبار المسؤولين في تخصيص أو تسعير الأرض لمستثمرين إماراتيين بعينهم، مؤكدًا أن جميع الإجراءات خاضعة لقواعد شفافة عبر منصات رقمية، وأن مصر “ترحب بالأشقاء الإماراتيين والخليجيين، لكن دون انتقاص لحقوق المصريين”.
في المقابل، حذر خبراء الاقتصاد من “تهديد القطاع العقاري المصري بالانهيار في حال الإفراط في سحب الأراضي بلا دراسة”، مشيرين إلى أن القطاع يمثل 16% من الناتج القومي للبلاد ويعمل به أكثر من 4 ملايين مصري.
لماذا تشهد الأراضي المصرية إقبالاً من الخليجيين؟
يرتبط الإقبال الخليجي على العقارات المصرية بعدة أسباب:
- الموقع الاستراتيجي للساحل الشمالي والسواحل الممتدة المطلّة على البحر المتوسط.
- تراجع سعر الجنيه مقابل الدولار، ما يجعل الشراء مغرياً بالدولار أو الريال.
- إقبال نظام الانقلاب المصري على تسويق الأراضي بالدولار، حيث وصلت قيمة الأراضي التي بيعت للمستثمرين الأجانب بين 2019 و2024 إلى ما بين 15 و20 مليار دولار، وشملت أكثر من 30,000 فدان.
بالرغم من أن الحكومة تؤكد أن الشروط متساوية بين المستثمر المصري والأجنبي، فإن المستثمرين الخليجيين غالباً ما يتمتعون بقدرات مالية وحوافز تفضيلية ضمن مبادرات الاستثمار الأجنبي.
هل هناك “تفريط” أم إصلاح اقتصادي؟
يعتبر بعض السياسيين والنشطاء أن ما يجري يمثل “تفريطاً في أراضي مصر”، إذ يتم إخراج المستثمرين المصريين من الأراضي بدعوى التقصير، ثم إعادة بيعها أو تخصيصها لصالح كيانات إماراتية وخليجية بعوائد سريعة بالدولار، يصفون ذلك بأنه “إهدار للطاقة الوطنية الاستثمارية” يُفقد المصريين فرصة التنمية طويلة الأمد.
في حين ترى حكومة الانقلاب أن “إعادة الهيكلة وتحفيز الاستثمارات الأجنبية أمر ضروري لضخ العملة الصعبة وإنعاش السوق”، وتؤكد اتخاذ إجراءات تجعل عملية التخصيص مفتوحة لمن يلتزم بالجدية ويملك الإمكانيات، بغض النظر عن الجنسية.
التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية المحتملة
- تراجع ثقة المستثمر المحلي بسبب مخاوف من سحب الأراضي بشكل مفاجئ
- ارتفاع الأسعار نتيجة دخول رؤوس أموال أجنبية كبيرة في قطاع محدود العرض
- استمرار ضعف المشاركة المحلية في ملكية وأرباح المشروعات الكبرى
- خطر على الاستقرار الاجتماعي مع تنامي الشعور بخروج الأراضى الوطنية من ملكية المصريين
يبقى الجدل قائماً بين من يرى في إعادة توزيع الأراضي فرصة لإصلاح اقتصادي وجذب رؤوس أموال أجنبية، وبين من يرى في وتيرة سحب الأراضي من المستثمرين المصريين ومنحها للخليجيين تهديداً للاقتصاد واستقلال القرار الوطني.