أطلقت وزارتا الأوقاف والتربية والتعليم، مشروعًا جديدًا يقضي بإنشاء حضانات تعليمية داخل المساجد، تبدأ تجريبيًا هذا الصيف من محافظة قنا، وسط تساؤلات حادة من المهتمين بالشأن العام حول أهداف المشروع وحدوده، وهل يمثل دعمًا للتعليم أم بديلاً مموهًا عن تطوير المنظومة الرسمية؟

ووفق بيان لمجلس الوزراء نشره عبر صفحته الرسمية، وقّع وزير الأوقاف أسامة الأزهري ووزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف بروتوكول تعاون لإطلاق ما سُمي بـ "الحضانات التعليمية بالمساجد"، والتي ستجهز بوسائل تعليمية وألعاب مناسبة لمرحلة رياض الأطفال.

وقال وزير الأوقاف إن المشروع يهدف إلى محو الأمية، وترسيخ القيم الأخلاقية والدينية في نفوس النشء، وتعزيز الانتماء الوطني، ضمن استراتيجية الدولة لبناء شخصية الطفل المصري، مؤكدًا أن الخطوة لا تعني الاستغناء عن الكتاتيب، بل تمثل مسارًا تكميليًا لها.

 

بين الدين والتعليم: رهان على "التنشئة" ومخاوف من التوظيف السياسي
قال المتحدث باسم وزارة الأوقاف، أسامة رسلان، إن المشروع يستهدف استغلال الوقت الصباحي داخل المساجد، وهي فترة غير مخصصة للصلاة، لخدمة الأطفال في سن الحضانة، مؤكدًا أنه سيتم تجهيز الساحات بالوسائل التعليمية اللازمة والألعاب المناسبة، مع الالتزام بطي الفرش قبل صلاة الظهر.

أما وزير التربية والتعليم، فأوضح أن معلمي الوزارة سيشاركون في تقديم المحتوى التعليمي، الذي لن يقتصر على الجانب الديني، بل سيتضمن أيضًا مبادئ الحساب والهجاء والقيم السلوكية.

رغم هذه التطمينات، أثار المشروع حالة من الجدل، لا سيما في ظل اتساع الفجوة بين الاحتياجات التعليمية المتزايدة ونقص البنية التحتية في المدارس الحكومية، مما دفع البعض للتساؤل عما إذا كانت الخطوة تمثل حلاً مؤقتًا لسد عجز الوزارة عن إنشاء فصول جديدة، عبر استغلال المساجد كبديل مجاني أو منخفض التكلفة؟

 

بين دعم الهوية وتأميم المساجد: أبعاد سياسية واجتماعية
أعاد المشروع إلى الأذهان مبادرة "عودة الكتاتيب" التي أطلقها الأزهري في ديسمبر الماضي، والتي رُوّج لها باعتبارها وسيلة لـ "حماية الهوية الوطنية والدينية" ومواجهة "الإلحاد والتطرف"، وهي عبارات تكررت في خطاب الأوقاف ضمن الإعلان عن مشروع الحضانات.

ويرى بعض المراقبين أن تلك المشاريع قد تُستخدم في تعزيز سيطرة الدولة على الفضاء الديني، في إطار ما يصفه البعض بـ "تأميم المساجد"، بعد سنوات من غلق الزوايا وتشديد الرقابة على منابر الجمعة، خاصة بعد 2013.

ويشير آخرون إلى أن المشروع يمثل وسيلة إضافية لتحصيل أموال، أو ما يُعرف إعلاميًا بـ"البونس الرئاسي"، في ظل أزمات اقتصادية متفاقمة، ما يعزز الاتهامات باستخدام المساجد كمورد اقتصادي موازٍ، بعيدًا عن وظيفتها الروحية التقليدية.

 

التعليم الموازي.. هل هو بديل مموه؟
من جهته، اعتبر الباحث التربوي الدكتور حسام العربي أن "اللجوء للمساجد لعقد حضانات قد يكون حلاً مؤقتًا لأزمة عجز الفصول، لكنه لا يُغني بأي حال عن بناء مؤسسات تعليمية حقيقية"، محذرًا من أن "أي تداخل مبالغ فيه بين المؤسسات الدينية والتعليمية قد يُربك هوية الطفل، ويعيدنا إلى فكرة التلقين بدلًا من التفكير النقدي".

وأضاف العربي أن المشكلة لا تكمن في استخدام المساجد كمكان، بل في غياب رؤية واضحة لماهية المناهج، ومن سيتولى الإشراف التربوي الحقيقي، متسائلًا: "هل هذه خطوة لتخفيف أعباء الدولة، أم لتوسيع نفوذ جهات بعينها داخل التعليم؟".

هل المشروع قابل للتوسع؟ وما مدى الرقابة عليه؟
رغم انطلاق المشروع بشكل تجريبي في محافظة قنا، ألمحت تصريحات مسؤولي الوزارتين إلى نية التوسع في تطبيقه بباقي المحافظات، إذا أثبت نجاحًا.