اتجهت البنوك لتقديم عروض تمويل غير تقليدية، أبرزها ما يُعرف بـ"قرض المصيف"، الذي يغطي تكاليف العطلات الصيفية في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، في مشهد جديد يعكس اختلال منظومة الإنفاق والمعيشة.

القرض الذي يصل إلى تسهيلات مالية بقيمة ملايين الجنيهات وفوائد صادمة قد تتجاوز 33%، بات خيارًا مطروحًا أمام شرائح من المصريين الهاربين من حرارة الصيف وضغوط المعيشة، بحثًا عن أسبوع راحة على شاطئ، حتى ولو كلفهم ذلك سنوات من الالتزام المالي.

 

قرض بـ100 ألف جنيه لعطلة أسبوعية!
سباعي الوراقي، موظف بوزارة العدل، لم يرَ بُدًّا من اللجوء إلى أحد عروض البنوك التي انتشرت هذا الصيف لتمويل رحلة المصيف. يقول: "اضطررت للحصول على قرض بـ100 ألف جنيه، سيتم اقتطاعه من راتبي على مدى 10 سنوات، الأسعار أصبحت تجعل من المصيف حلمًا بعيدًا".
هكذا، تحوّلت الراحة السنوية إلى التزام مالي طويل الأجل، في بلد يعيش غالبية سكانه تحت وطأة ضغوط اقتصادية خانقة.

 

تنافس محموم بين البنوك على "قروض الترفيه"
وفقًا لخبير الائتمان المصرفي محمد عمران، تتسابق أربعة بنوك كبرى – بينها بنوك حكومية – على تقديم قروض مخصصة للسفر والمصايف، بفترات سداد تصل إلى 10 سنوات، ومبالغ قد تتجاوز 9 ملايين جنيه، وأضاف أن بعض البنوك رفعت الفوائد إلى 33%، مع رسوم إدارية تبلغ 3%، خاصة لمن لا يحوّل راتبه للبنك المقرض.

هذا التوجه يعكس محاولة جديدة من القطاع المصرفي للاستثمار في ما بات يُعرف بـ"اقتصاد الهروب"، حيث يبحث المواطن عن متنفس نفسي في ظل غلاء الأسعار، حتى لو تطلب الأمر قرضًا بعشرات الآلاف من الجنيهات.

 

الساحل الشمالي.. حلم الأغنياء وكابوس البسطاء
بحسب تصريحات حازم السروجي، المسوق العقاري وعضو جمعية "مسافرون"، شهدت أسعار الوحدات السياحية قفزات غير مسبوقة هذا العام، حيث وصل إيجار اليوم الواحد في شاطئ المعمورة بالإسكندرية إلى 10 آلاف جنيه.
أما في الساحل الشمالي ومنطقة العلمين، فتداول نشطاء إعلانا لفيلا سياحية لمدة 6 أيام بتكلفة فاقت 2 مليون جنيه، في ما وصفه الباحث الاقتصادي مصطفى عادل بـ"كارثة على مستقبل السياحة في البلاد"، معتبرًا أن هذه الأرقام تنفر الداخل قبل الخارج.

 

شواطئ الفقراء.. مزدحمة ومهملة
في ظل الغلاء الفاحش، لجأ المصريون من ذوي الدخول المحدودة إلى الشواطئ الشعبية في الإسكندرية ودمياط وبلطيم، وجمصة، ومرسى مطروح، رغم ضعف خدماتها وازدحامها الشديد.

"الشواطئ لم تعد مجانية، وهي بلا خدمات تقريبًا"، يقول السروجي، مشيرًا إلى ظاهرة التكدس المتزايد هذا العام نتيجة تضاؤل الخيارات أمام الطبقة المتوسطة.

 

"وجهتك حسب دخلك".. خارطة طبقية للمصيف المصري
تبدو الخريطة السياحية منقسمة على أساس الدخل.
يقول السروجي إن أصحاب الدخل المحدود يقصدون جمصة ورأس البر والإسكندرية، فيما تتوجه الطبقة المتوسطة لشرم الشيخ والغردقة والعين السخنة. أما الأغنياء، فلهم منتجعات الساحل الشمالي والعلمين، حيث تتجاوز تكلفة الإقامة في بعض المواقع مئات الآلاف من الجنيهات.

 

النوادي الشعبية بديلاً.. والهروب من القاهرة معضلة
كارم أبو حطب، مهندس بالهيئة القومية للاتصالات، يرى أن اللجوء للبنوك لحجز مصيف "ليس خيارًا منطقيًا". ويضيف: "أسعار المصايف مبالغ فيها جدًا، والهروب من حرارة القاهرة أصبح معضلة كبرى".
بعض النقابات المهنية توفر بدائل بتكاليف أقل، لكنها كما يصفها كارم "رديئة الجودة"، ومع ذلك، تبقى الأمل الوحيد للكثيرين.

 

الطبقة المتوسطة تنهار.. والسياحة تتحول إلى رفاهية نادرة
كان من المعتاد أن تجد في مصر وجهات صيفية تناسب الجميع، لكن الخريطة تغيّرت. حتى الرحلات البسيطة باتت عبئًا. أبو إسلام، مدير مدرسة، قال إنه استغنى تمامًا عن المصيف، مكتفيًا ببعض الأنشطة في النوادي الشعبية، لأن دخله الذي لا يتجاوز 10 آلاف جنيه لا يكفي متطلبات الحياة الأساسية.

 

خبراء يحذرون: "التوحش السعري" يهدد التماسك الاجتماعي
يرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان، وليد عبد الفتاح، أن ما يحدث يُعد اختلالًا واضحًا في أولويات الإنفاق لدى الأسرة، مشيرًا إلى أن الفروق الطبقية الحادة بدأت تهدد التماسك الاجتماعي.

وقال: "وسائل الترفيه ضرورة وليست رفاهية، لكن الطبقة المتوسطة لم تعد قادرة على مسايرة التوحش السعري"، مشيرًا إلى أن الزحام المروع على الشواطئ الشعبية قد يفضي إلى آثار أخلاقية وسلوكية سلبية على المجتمع.