شهدت أسعار الأدوية في السوق المصري زيادات ملحوظة خلال الأيام الماضية، نتيجة مجموعة من العوامل الاقتصادية، بحسب ما أكدته شعبة الصيدليات باتحاد الغرف التجارية.
وشهد سوق الدواء المصري خلال الفترة الأخيرة موجة جديدة من ارتفاع الأسعار طالت أكثر من 1000 صنفًا دوائيًا معظمهم يخص الأمراض المزمنة، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا بين المصنعين والمستهلكين على حد سواء وتأتي هذه الزيادة ضمن سلسلة من التعديلات السعرية التي أقرتها الجهات التنظيمية بناءً على طلبات فردية مقدمة من الشركات المنتجة حيث تتم دراسة هذه الطلبات بشكل أسبوعي من خلال لجنة التسعير المختصة، ويتم اعتمادها والعمل بها في الخفاء ودون إعلان رسمي.
زيادة أسعار 1000 صنف دوائي
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية التي يشهدها السوق المحلي باتت شركات الأدوية تواجه ضغوطًا متزايدة نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج بالتوازي مع تصاعد أسعار المواد الخام وارتفاع تكلفة الخدمات الحكومية المرتبطة بصناعة الدواء وذلك بعد قرارات تحرير سعر الصرف التي صدرت في مارس 2024 وهو ما دفع جهات عدة في القطاع لتقديم طلبات رسمية لزيادة أسعار أكثر من ألف صنف دوائي بنسبة تصل إلى عشرة في المئة بحسب مصادر من داخل غرف التجارة
أسباب الارتفاع
من جانب آخر تباينت ردود الأفعال حول موجة الزيادات الجديدة إذ أشار بعض المتابعين للقطاع إلى أن التحركات الأخيرة قد تكون مرتبطة بمحاولات مفتعلة لتخزين كميات من الأدوية داخل السوق المحلي بهدف التربح من ارتفاع الأسعار في الفترة المقبلة خصوصًا مع بعض الأصناف ذات الطلب المرتفع مثل أدوية الخصوبة التي شهدت قفزات ملحوظة في أسعارها دون مبررات واضحة تتعلق بالإنتاج أو الاستيراد
وفي السياق ذاته أكدت مصادر مسؤولة عن تخارج بعض الشركات الأجنبية من السوق المصري بسبب وجود خسائر كبيرة في القطاع أو اضطرابات حادة في سلاسل التوريد.
من جهته أرجع الدكتور حاتم البدوي، أمين عام شعبة الصيدليات باتحاد الغرف التجارية، تلك الزيادات إلى زيادة أسعار المحروقات والكهرباء والغاز، إلى جانب رفع الحد الأدنى للأجور، وما يترتب عليه من التزامات مالية إضافية على المصانع، منها التأمينات والرواتب.
كما أشار إلى أن التغير المستمر في سعر صرف الجنيه أمام الدولار شكّل ضغطًا كبيرًا على مصانع الأدوية، التي تعتمد بشكل كبير على المواد الخام المستوردة، مما دفعها إلى المطالبة برفع أسعار الأدوية لتعويض التكاليف المتزايدة.
وأكد البدوي أن هذه التطورات الاقتصادية تسببت في موجة من ارتفاع الأسعار وصلت في بعض الأصناف إلى 90% خلال أقل من عام، وهو ما أثّر سلبًا على المواطنين، خاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة.
تصفية عمالة وتقليل جودة التغليف
لجأت العديد من شركات الأدوية إلي أكثر من حيلة للتغلب علي تأخر وزارة الصحة في البت في مطالبها برفع أسعار الدواء كنتيجة لارتفاع سعر صرف الدولار.
بعض الشركات قامت بتسريح العمالة كأحد اشكال تقليل الانفاق والبعض قام باستيراد مواد خام اقل فاعلية من دول أفريقية بدلاً من الاستيراد بسعر أعلي من الدول الأوروبية كما شهدت الفترة الأخيرة تغيراً في تعبئة وتغليف الأدوية حيث لجأت بعض الشركات إلي تقليل جودة المواد المستخدمة في التعبئة والتغليف ويؤكد د. محمد شعبان رئيس قطاع المشتريات بشركة القاهرة للأدوية والصناعات الكيماوية ان المواد التي تستخدم في تغليف وتعبئة الدواء لها مواصفات قياسية وتتبع دستور الأدوية، وهي إما ان تكون مواصفات متعلقة بالدواء مثل «الشريط الالومنيوم» وهي مادة (PVPC ) أو المادة الشفافة للشريط الألومنيوم وهي مادة (P.P.C ).. وهما مادتان مرتبطتان بالمواد الموجودة داخل الدواء نفسه وتخضعان للدستور الأوروبي أو المصري أو الأمريكي.
أما المواد التي لا تتصل اتصالا مباشراً بالدواء فهي لا تخضع للدستور المصري للدواء وبالتالي من الممكن استخدام أي مادة بدلاً من الأخري.
فهناك بعض الشركات تقوم بتعبئة وتغليف للدواء الخاص لها علي أعلي مستوي باستخدام أفخر الأوراق والزجاجات والعبوات وحتي استعمال مادة (U.V ) وهي المادة التي تجعل الكتابة لامعة.
ويضيف د. محمد شعبان ان تعبئة وتغليف الدواء مرتبطة ارتباطا وثيقا بسعر الدواء، فهناك شركة تقوم بتسعير الدواء بـ 10 جنيهات وشركة أخري تقوم بتسعير نفس الدواء أو نفس التركيبة بـ2 جنيه وفي هذه الحالة لا تستطيع الشركة الثانية ان تغلف بنفس جودة الأولي.
تخارج الشركات الأجنبية
اتجهت بعض الشركات الأجنبية العاملة بقطاع الأدوية بالسوق المحلية، إلى تقليص حجم إنتاجها في مصر بنسبة تتجاوز الـ50%، وهو ما أدى إلى نقص عدد كبير من الأدوية الحيوية في الصيدليات، وبيعها بالسوق السوداء بأسعار تزيد بنحو 300% مقارنة بالسعر الرسمي، وفق ما كشف عنه علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التُجارية.
وأضاف عوف أن أغلب الشركات الأجنبية تُفكر في التخارج من السوق المصرية خلال الفترة المقبلة، مرجعا ذلك إلى الخسائر المالية الفادحة التي يتعرضون لها بسبب تدني أسعار بيع منتجاتهم، على حد وصفه.
وأشار إلى أن الشعبة طالبت هيئة الدواء في مطلع الشهر الجاري، بالسماح للشركات برفع أسعار الأدوية 10%، ولكن لم يتم الموافقة على الطلب حتى الآن، وهو ما تسبب في استمرار أزمة نقص بعض الأصناف الحيوية، المخصصة لعلاج الأورام، والأمراض المستعصية.
السوق السوداء والأدوية المغشوشة
يشهد سوق الدواء في مصر اضطرابات حادة بسبب ارتفاع الأسعار ونقص السيولة، ما أدى إلى انتشار السوق السوداء والدواء المغشوش، وسط معاناة المرضى وتراجع القدرة الشرائية.
ورغم نمو المبيعات تواجه الصيدليات خسائر، وتتعثر جهود التخلص من الأدوية منتهية الصلاحية، وبينما تغطي الصناعة المحلية 82 في المئة من السوق، تظل الفجوة قائمة بين وفرة الدواء وسعره المناسب للمواطن.
وبدأ تأثير ارتفاع أسعار الدواء في مصر يلقي بظلاله على المرضى وآليات العمل داخل السوق المحلي، إذ قادت المراجعة الدورية لقيمة العقاقير المصنوعة محليا كل ثلاثة أشهر إلى نمو واضح في المبيعات، وفي المقابل زادت أوجاع البسطاء وانتشر ما يسمى بـ”السوق السوداء” للأدوية، وبيعها على أرصفة الطرق ومواقع التواصل الاجتماعي، في ظل عثرات تواجه هيئة الدواء الحكومية في التخلص من الأدوية منتهية الصلاحية.
كشف سكرتير عام شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية محمد شاهين عن مطالبة الشركات وشعبة الأدوية برفع أسعار ألف صنف دوائي، معتبرا أن الزيادات الأخيرة التي جرى إقرارها بعد تحرير سعر صرف الجنيه منذ نحو عامين لم تعد كافية في ظل الأعباء الجديدة، لافتا إلى أن مطالبهم تتضمن زيادة قيمتها بـ10 في المئة فقط.
مديونيات الحكومة
أما عن مستحقات شركات الأدوية لدى الجهات الحكومية فقد كشفت تقارير سابقة أنها تجاوزت خمسين مليار جنيه وهو ما يمثل عبئًا إضافيًا على الشركات العاملة في السوق ويزيد من الحاجة إلى إعادة هيكلة منظومة التسعير بما يضمن استمرارية توفر الدواء وعدم تحميل المواطن أعباء إضافية دون مبرر
وبينما تتواصل مطالبات الشركات بالمزيد من الزيادات يرى بعض الخبراء أن الحلول لا تكمن في تعديل الأسعار بشكل دوري بل في تحسين بيئة التصنيع المحلي وتوفير حوافز استثمارية حقيقية للصناعة الوطنية فضلًا عن ضبط الأسواق من أي ممارسات احتكارية قد تؤدي إلى اختفاء بعض الأدوية من السوق أو التلاعب بأسعارها لصالح جهات معينة.
القطاع الدوائي المصري يقف حاليًا أمام تحديات مركبة تفرض ضرورة التوازن بين ضمان استدامة الإنتاج المحلي وتلبية احتياجات المرضى بأسعار عادلة في ظل واقع اقتصادي يتسم بعدم الاستقرار