أعلنت وزارتا الأوقاف والتربية والتعليم في مصر عن توقيع بروتوكول تعاون لإطلاق مشروع "الحضانات التعليمية في المساجد" تحت شعار "بناء الشخصية المصرية الأصيلة"، حيث وقع البروتوكول وزير الأوقاف الجديد الدكتور أسامة الأزهري، ووزير التربية والتعليم الدكتور محمد عبد اللطيف، الذي يلاحقه جدل واسع بسبب ما وصفه إعلاميون بـ"تزوير مؤهلاته الأكاديمية"، وهو ما ألقى بظلال من الشك على جدوى المشروع وصدقيته منذ لحظة الإعلان عنه.
وجاء الإعلان عن البروتوكول يوم الأحد 21 يوليو 2025، بمقر وزارة الأوقاف، وسط تغطية إعلامية واسعة، حيث أكدت التصريحات الرسمية أن المشروع يستهدف إقامة حضانات تعليمية نموذجية داخل المساجد الكبرى في مختلف المحافظات، بتمويل مشترك بين الوزارتين وبعض الجهات الأهلية، وذلك بدءًا من سبتمبر المقبل.
الأهداف المعلنة.. "بناء الشخصية" و"غرس القيم"
وفقًا للتصريحات الصادرة من الوزارتين، فإن المشروع يهدف إلى "تنشئة الأطفال منذ الصغر على القيم الأخلاقية والوطنية والدينية المعتدلة"، و"تعزيز الهوية المصرية الجامعة"، وذلك بحسب بيان وزارة الأوقاف.
وقال الوزير المزور محمد عبد اللطيف في المؤتمر الصحفي عقب توقيع البروتوكول: "نحن نسعى لتقديم تعليم تأسيسي يدمج بين المعارف الأكاديمية المبكرة والقيم الأخلاقية، وهي خطوة لبناء شخصية متكاملة منذ السنوات الأولى."
من جانبه، قال وزير الأوقاف المخبر الدكتور أسامة الأزهري أن المساجد "ليست فقط أماكن للعبادة، بل منارات للتعليم والتنشئة"، مشيرًا إلى أن المشروع سيبدأ تجريبيًا في 120 مسجدًا رئيسيًا، مع خطط للتوسع إلى 1000 مسجد خلال عامين.
تشكيك شعبي واسع
ورغم الزخم الإعلامي الرسمي، قوبل المشروع بموجة من الانتقادات والتشكيك، خاصة من شخصيات عامة ومعلمين وأولياء أمور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، اعتبروا أن المشروع "دعاية سياسية" تهدف لتجميل صورة النظام وليس لتحسين واقع التعليم أو الخطاب الديني.
ويقول الخبير التربوي الدكتور كمال زايد في تصريح صحفي: "كيف يمكن الحديث عن بناء شخصية متكاملة في وقت يعاني فيه نظام التعليم من انهيار البنية التحتية، وتكدس الفصول، وغياب المعلمين المؤهلين، إضافة إلى ما يُثار حول تزوير شهادات الوزير نفسه؟"
وأشارت مصادر إعلامية إلى أن التحقيقات المتعلقة بالمؤهلات الأكاديمية للدكتور عبد اللطيف لا تزال مفتوحة أمام جهات رقابية، بعد أن شككت تقارير صحفية في صحة الدكتوراه التي حصل عليها من جامعة أجنبية غير معترف بها.
الانتقادات طالت أسامة الأزهري منذ توليه منصب وزير الأوقاف في يوليو 2024، فهو جزء أصيل من المؤسسة الدينية الرسمية تحت حكم العسكر التي خضعت لتوجيهات السلطة التنفيذية، ويتخوفون من أن تتحول مبادرته إلى توظيف سياسي للدين بدلًا من تطوير حقيقي للتنشئة الإسلامية.
وقال أحد الدعاة الموقوفين عن الخطابة (طلب عدم الكشف عن اسمه): "إذا كانت الدولة تحاصر الدعوة المستقلة وتمنع حتى الكتاتيب، فكيف نصدق أنها تهتم الآن بتعليم الأطفال القيم الإسلامية في المساجد؟"
فساد إداري وهيكلي في الوزارتين
الوزارتان المعنيتان بالمشروع -الأوقاف والتربية والتعليم- لطالما واجهتا اتهامات بالفساد الإداري والتقصير الوظيفي.
ففي 2023، كشف تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات عن وجود مخالفات مالية تتعلق بصيانة المساجد وتجهيزها تجاوزت قيمتها 140 مليون جنيه، بينما عانت وزارة التعليم من سوء إدارة مشاريع التطوير التكنولوجي، وتم إلغاء 30 مناقصة لتوريد أجهزة بسبب شبهات فساد.
ووفقًا لمسؤول سابق في وزارة التعليم (رفض الإفصاح عن هويته)، فإن إنشاء حضانات في المساجد سيكون بيئة خصبة لـ"التعيينات العشوائية"، و"مناقصات مشبوهة"، و"استخدام النفوذ".
تناقض في السياسات.. قمع التدين وتوظيف الدين
في سياق أوسع، يرى مراقبون أن المشروع يعكس أحد أوجه التناقض في سياسة الدولة تجاه التدين، حيث يتم الترويج لمشاريع "قيمية" مثل الحضانات الدينية، في حين تشن الدولة، بحسب تقارير حقوقية، حملات قمع ضد المظاهر الإسلامية، من منع النساء المحجبات من الإعلام، إلى اعتقال دعاة، وغلق آلاف الزوايا.
ويقول الإعلامي عمرو خليفة في تغريدة له: "الدولة التي تحظر الكتاتيب وتلاحق المحجبات على تيك توك هي نفسها التي تفتتح حضانات في المساجد؟!.. عبث منظم".
ما بين الشعارات والتنفيذ.. هل تنجح المبادرة؟
في ظل كل ما سبق، يظل المشروع محاطًا بشكوك كبيرة، على الرغم من شعاراته الطموحة. فنجاح مبادرة مثل "حضانات المساجد" يتطلب بنية تحتية تعليمية حقيقية، ومناهج واضحة، واستقلالًا عن التوظيف السياسي، فضلًا عن كفاءة حقيقية في الإدارة.
بروتوكول التعاون بين وزارتي الأوقاف والتعليم لإطلاق حضانات تعليمية بالمساجد يحمل أهدافًا نظرية إيجابية لبناء شخصية مصرية أصيلة، لكنه يفتقر إلى المؤشرات الواقعية التي تدل على جديته وكفاءته الفعلية سواء من حيث التنفيذ أو الفهم الحقيقي لواقع التعليم والدين في مصر.
كما أن استمرار اتهامات الفساد والتزوير في الوزارتين يضعف جدية هذه المبادرات ويحول دون تحقيق أهدافها المجتمعية التعليمية والدينية.
الاستهداف المنهجي للمظاهر الإسلامية والأخلاقية، وغياب التنوع في الخطاب الديني الرسمي، يثير شُكوكًا حول مصداقية بناء هوية وطنية أصيلة غنية بالقيم التي يُعلن عنها.
غياب رقابة مستقلة وشفافية حقيقية يحول دون تكوين قاعدة صلبة لتجديد التعليم الديني المبكر في المساجد، الأمر الذي يجعل المبادرة عرضة للاختراق الإداري والسياسي بسهولة.
يبقى السؤال قائمًا: هل هذه المبادرة طلاء إعلامي يُموّه الفساد والتراجع الأخلاقي، أم بداية فعلية لتجديد منهجي للتعليم وتعزيز القيم؟ الواقع حتى اليوم يشير إلى أن الحكومات المتعاقبة لم تقدم إجابة مقنعة.
في ضوء ما سبق، فإن تقييم أي مبادرة تعليمية دينية رسمية يحتاج إلى ربطها برؤية مؤسسية شاملة لإصلاح التعليم والحوكمة، وتجاوز الانقسامات السياسية وتعزيز الشفافية، وإلغاء مظاهر الفساد الإداري المزمنة التي تحاصر وزارتي الأوقاف والتربية والتعليم في مصر.