في خطوة مفاجئة أثارت ردود فعل واسعة في الأوساط الاقتصادية والسياسية، كشفت وكالة "الشرق بلومبيرغ" في 22 يوليو 2025 عن قرب الإعلان الرسمي عن مشروع قطري ضخم لإنشاء مدينة سياحية جديدة في منطقة "علم الروم" بالساحل الشمالي المصري.

ووفقًا للمصادر، فإن المشروع يمتد على مساحة 60 ألف فدان، أي ما يعادل نحو 252 كيلومترًا مربعًا، وهي مساحة تتجاوز مساحة العاصمة الفرنسية باريس.

المشروع يأتي استكمالًا لنمط متصاعد من الاستثمارات الخليجية في أراضي الساحل الشمالي، مشابه لما حدث سابقًا في مشروع رأس الحكمة، الذي أثار موجة من الجدل في الداخل المصري حول تسعير الأرض، ونمط العقود، ومدى استفادة المصريين من هذه المشاريع.

 

حجم الاستثمارات القطرية.. 4 مليارات دولار في المرحلة الأولى

بحسب المعلومات التي كشفتها "الشرق بلومبيرغ"، فإن الاستثمارات القطرية في مشروع علم الروم تُقدر بـ 4 مليارات دولار كمرحلة أولى، تشمل حق الانتفاع بالأرض وكذلك تكاليف تطوير البنية التحتية التي ستقوم بتنفيذها الحكومة المصرية.

المصادر تشير إلى أن الصفقة تشمل منح المستثمر القطري حق الانتفاع طويل الأجل بالأرض، في ظل صمت رسمي مصري وعدم صدور بيانات مفصلة من قبل مجلس الوزراء أو وزارة السياحة بحكومة الانقلاب حتى اللحظة، ومن المنتظر الإعلان عن تفاصيل المشروع خلال الربع الثالث من عام 2025، بحسب تصريحات لمصادر حكومية مطلعة لم تسمها الوكالة.

 

ماذا نعرف عن مدينة علم الروم؟!

تقع مدينة علم الروم في الساحل الشمالي لمصر، وهو موقع استراتيجي يتمتع بإطلالة ساحلية على البحر المتوسط.

المشروع الجديد يأتي بعد نجاح تجربة "رأس الحكمة" التي استثمرت فيها الإمارات بمبلغ 35 مليار دولار في عام 2023 في مشروع مماثل تمتد مساحته إلى أكثر من 41 ألف فدان، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في مصر حول التفريط في الأراضي الوطنية.

الصفقة القطرية المعلنة مشابهة في طبيعتها لكنها أصغر حجماً وتأتي في أعقاب زيارة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي إلى قطر، حيث تباحث الطرفان لإنهاء الاتفاقات الاستثمارية الكبرى، بحسب مصادر برلمانية

 

المشروع القطري في سياق صفقات مشابهة.. تكرار نموذج رأس الحكمة؟

يأتي المشروع في أعقاب صفقة مشابهة أثارت الجدل خلال الربع الأول من العام 2024، حين أعلنت حكومة الانقلاب المصرية توقيع عقد مع صندوق أبوظبي للتنمية لتطوير منطقة رأس الحكمة على البحر المتوسط، في صفقة قُدرت آنذاك بـ35  مليار دولار، تم الإعلان أن منها فقط 24 مليار دولار ستدخل في صورة سيولة دولارية، بينما الباقي يُخصم مقابل استثمارات إماراتية داخل مصر.

واعتبر اقتصاديون أن الصفقة القطرية الجديدة هي امتداد لنفس النهج، ما دفع البعض إلى التساؤل: هل تُباع أراضي مصر الاستراتيجية تحت مسمى "الاستثمار"، دون شفافية كافية أو رقابة برلمانية؟

 

الاستثمار أم التفريط؟

الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى شاهين قال في تصريح خاص لموقع "الأسواق المصرية" إن "منطقة علم الروم واحدة من أكثر المناطق الساحلية الواعدة في مصر، واستثمارها أمر مرحب به من حيث المبدأ، لكن بشرط ضمان الشفافية وتحديد العائد الحقيقي للدولة المصرية".

وأضاف: "من غير المنطقي أن تتحمل الدولة تكلفة البنية التحتية وتمنح الأرض بحق الانتفاع بأسعار غير معلنة، ثم تروّج لهذا على أنه استثمار أجنبي مباشر".

أما المحلل السياسي عمرو هاشم ربيع فقد تساءل عبر صفحته على "فيسبوك": "هل نعلم تفاصيل العقود؟ كم سعر المتر؟ كم مدة الانتفاع؟ هل هناك نسبة من الأرباح تعود لصندوق سيادي مصري؟ هذه أسئلة مشروعة لم تجد لها إجابة حتى الآن".

 

غياب البيانات الرسمية يثير القلق

حتى تاريخ إعداد هذا التقرير (23 يوليو 2025)، لم تصدر حكومة الانقلاب المصرية أي بيان رسمي يؤكد أو ينفي تفاصيل مشروع علم الروم، رغم تداول تقارير إعلامية متعددة حول الأمر.

هذا الغياب أثار تساؤلات حول جدية حكومة الانقلاب في الالتزام بالشفافية، لا سيما في ظل التحديات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، والحاجة إلى استعادة ثقة المستثمرين والمواطنين في آن واحد.

وقد حاول عدد من الصحفيين الاقتصاديين الاستفسار من وزارة التخطيط وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، إلا أن الردود جاءت متحفظة أو إحالات إلى "الإعلان الرسمي المرتقب".

 

الحكومة والديون.. هل تتحول أراضي الدولة إلى وسيلة لتوفير العملة الصعبة؟

في ظل تزايد الديون الخارجية، التي بلغت في نهاية مارس 2025 نحو 171.2 مليار دولار بحسب بيانات البنك المركزي المصري، يبدو أن حكومة الانقلاب تتجه نحو بيع أو تخصيص أراضي الدولة للاستثمار الأجنبي، كوسيلة سريعة لجذب العملة الصعبة.

لكن هذا التوجه يثير المخاوف من التفريط في أصول استراتيجية، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بمناطق ساحلية على البحر المتوسط، تعد من أهم الفرص العقارية في المنطقة.

وتشير بعض التقديرات إلى أن عائدات الأراضي في مشاريع مثل رأس الحكمة لم تتجاوز 10% من قيمتها السوقية، ما يجعل مشروع علم الروم مهددًا بتكرار نفس النمط ما لم تكن هناك شفافية واضحة.

 

مصر ليست للبيع

عدد من النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي أطلقوا وسومًا مثل #علم_الروم_ليست_للبيع و #أرض_مصر_مش_استثمار_خاص معبرين عن قلقهم من بيع الأراضي المصرية تحت غطاء التنمية والاستثمار.

فيما وصف سياسيون معارضون، منهم المهندس محمد محيي الدين، النائب السابق في مجلس الشورى، المشروع بأنه "حلقة جديدة في سلسلة التفريط في أراضي الوطن لصالح الصناديق الخليجية".

كما قال في تصريح له على قناة "الحوار": "ما يجري هو تصفية ممتلكات الدولة لصالح سد فجوة العملة، لا علاقة له برؤية استراتيجية أو تنمية وطنية".