تشهد مصر في الأعوام الأخيرة طفرة في الاستدانة لتمويل مشروعات البنية التحتية، خصوصًا في قطاع النقل، أعلنت الهيئة العامة للأنفاق، التابعة لوزارة النقل بحكومة الانقلاب المصرية، عن سعيها لاقتراض 150 مليار جنيه من بنوك خليجية ومصرية في 2025 لتمويل مشروعات عملاقة، أبرزها القطار الكهربائي السريع، والمونوريل، والخط الرابع لمترو الأنفاق.

هذه الخطوة الجديدة تطرح تساؤلات حول أسباب التوسع في القروض، وكفاءة إنفاقها، ولماذا لا ينعكس هذا التمويل الضخم في صورة تحسّن فعلي في جودة الخدمة أو الحد من الحوادث المتكررة في منظومة النقل.

 

تفاصيل القرض وتوزيع التمويل

وفق المصادر البنكية والمالية، تنقسم القروض على النحو التالي: عرض بنك قطر الوطني وبنك الكويت الوطني على الهيئة العامة للأنفاق تمويلًا بقيمة 50 مليار جنيه لكل منهما، بينما وافق البنك التجاري الدولي (CIB) على إقراض 30 مليار جنيه، مع تفاوض الهيئة للحصول على قرض بقيمة 20 مليار جنيه من أحد البنوك الحكومية، بإجمالي 150 مليار جنيه.

حصلت الهيئة على ضمان وزارة المالية للقرض، على أن يتم السداد خلال 25 عامًا، وتغطّي هذه القروض متطلبات الهيئة التمويلية للسنة المالية 2025-2026.

 

مشروعات كبرى وتكاليف بالمليارات

تمتد قائمة المشروعات التي تموّلها الهيئة العامة للأنفاق بـ14 مشروعًا رئيسيًا أبرزها:

  • القطار الكهربائي السريع: مشروع ضخم بإجمالي أطوال حوالي 2,000كم يشمل أربع خطوط رئيسية لربط أبرز المدن والمحافظات، وتبلغ تكلفة إنشائه قرابة 11 مليار دولار أمريكي.
  • المونوريل: يشمل خطي العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة 6 أكتوبر، وتبلغ القيمة الإجمالية للمشروع نحو 4.5 مليار دولار، بمشاركة شركات عالمية مثل بومباردييه وأوراسكوم للإنشاءات.
  • الخط الرابع لمترو الأنفاق: يبدأ من مدينة 6 أكتوبر، مرورًا بمنطقة الهرم، حتى محطة الفسطاط بطول 19كم و17 محطة، بتكلفة ضخمة على مراحل، ومن المقرر وصول أول القطارات في مايو 2026.

 

لماذا كل هذه القروض الهائلة لوزارة النقل؟

أحد التفسيرات الرسمية لهذا الاتجاه المتسارع نحو الاقتراض هو السعي لتحقيق طفرة كبيرة في شبكة النقل الجماعي بغرض ربط المدن الجديدة، وتخفيف التكدس والضغط المروري على الطرق التقليدية، وتحسين حركة المواطنين، وتقليل الحوادث من خلال الاعتماد على وسائل نقل حديثة وصديقة للبيئة.

ويستند مؤيدو الاقتراض إلى أن مصر بحاجة لمعالجة فجوة البنية التحتية في إطار التوسع العمراني والتنموي، بجانب محاولة ربط المناطق الصناعية والعشوائية بخطوط نقل حديثة، وهو ما يجعل التمويل المحلي غير كافٍ، ويستدعي البحث عن حلول خارجية عبر القروض المعززة بضمانات حكومية.

 

أين نتائج القروض في تحسين الخدمة؟

رغم هذا الإنفاق الهائل، يزداد الشعور الشعبي بعدم تحسن الخدمة بالقدر المأمول، فالشكاوى المتكررة لا ترتبط فقط بتكدس العربات أو الأعطال، بل تتجاوزها لتشمل تكرار حوادث الطرق والقطارات، وغياب الصيانة الدورية، وعدم توفر مقومات السلامة في العديد من وسائل النقل الحالية، ويظهر ذلك بوضوح في استمرار وقوع الحوادث المرورية الكبرى، كان آخرها حادث الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية الذي أودى بحياة 18 فتاة وسائقهن في يونيو 2025، رغم الخطة المعلنة لتطوير هذه الطرق وتخصيص 50 مليار جنيه لصيانتها وتطويرها.

يعتبر أستاذ التخطيط العمراني في جامعة القاهرة، د. خالد مصطفى، أن "غياب الاستراتيجية المتكاملة وعدم تقييم جدوى المشروعات قبل البدء فيها" هما من أبرز مشكلات وزارة النقل.

ويضيف: "نعتمد على الاقتراض بشكل مفرط، بينما تغيب الرؤية الاقتصادية الواضحة لتحقيق عائد من هذه المشروعات".

في تقرير صادر عن مؤسسة "ترانسبيرنسي إيجيبت" في يناير 2025، تم تصنيف مصر ضمن أسوأ 30 دولة من حيث كفاءة النقل العام، واعتبر التقرير أن "الفساد في تنفيذ العقود، وضعف الرقابة، والافتقار للحوكمة، ساهمت في هدر الأموال العامة دون تحقيق الأهداف المعلنة".

بينما يؤكد الخبير المالي شريف الجبالي أن استمرار وزارة النقل في الاقتراض سيفاقم أزمة الدين العام، الذي بلغ في يونيو 2025 نحو 10.2 تريليون جنيه، أي ما يعادل أكثر من 90% من الناتج المحلي الإجمالي، وفق تقرير حديث لصندوق النقد الدولي.

 

أزمة ثقة وجدل حول كفاءة الوزير

مع تكرار الكوارث، تصاعدت الأصوات المعارضة التي ترى في سياسات الوزير كامل الوزير فشلاً في منع تدهور الخدمة ووضع حد للحوادث، يشير المنتقدون إلى أن حجم الاستثمارات والقروض الهائل لم ينعكس بعد في شكل تحسن ملموس على مستوى الأمان أو جودة الخدمة، وتظل هناك فجوة كبيرة بين أرقام المشروعات وواقع الخدمة اليومية، وتكتفي الوزارة غالبًا بإلقاء اللوم على المواطنين والسائقين، متجاهلة مسؤولية ضبط المرور، والصيانة، والرقابة على التنفيذ.

كامل الوزير، الذي تولى حقيبة النقل بعد مسيرة طويلة في الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، كان قد صرّح في عام 2020 أن "مصر ستنهي عصر الحوادث بحلول 2022"، إلا أن الإحصائيات تقول عكس ذلك.

وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفع عدد حوادث القطارات في مصر من 898 حادثة في 2020 إلى 1107 في 2023، بزيادة بلغت 23%.

كما لم يتم الانتهاء من مشروعات وعد بها الوزير منذ سنوات، مثل مشروع القطار السريع بين العين السخنة ومرسى مطروح، والذي تجاوزت تكلفته 430 مليار جنيه، ولم يكتمل حتى منتصف 2025.

يقول النائب السابق في لجنة النقل بمجلس النواب، ضياء الدين داوود: "الوزير الحالي يدير وزارة مدنية بعقلية عسكرية، لا يؤمن بالرقابة أو المحاسبة، والمواطن هو الضحية في نهاية المطاف".

 

القروض والتنمية بين الطموح والواقع

يرى خبراء اقتصاديون أن التوسع في الاقتراض يحمل مخاطرة اقتصادية عالية، خاصة في ظل تصاعد عبء الديون الحكومية وتغير سعر الصرف، ما يضغط على الموازنة العامة ويرفع تكلفة الدين، لكن السلطة التنفيذية تصر على أن هذه الاستثمارات ضرورة للخروج من دائرة التخلف وتحقيق نقلة نوعية في البنية التحتية، غير أن المجتمع ينتظر نتائج ملموسة، ويرى أن الوقت حان لإصلاح فعلي يلمسه المواطن بدل الاكتفاء بتقارير الإنجاز وصور المشاريع الضخمة، في وقت لا تزال فيه معاناة النقل عنواناً رئيسياً للحياة اليومية للمصريين.