مع ظهور نتائج امتحانات الثانوية العامة، يبدو أن سيناريو العام الماضي سيتكرر بل وسيكون بطريقة أفجع، فبينما فرقت4 درجات أو درجة فقط لتحول بين الطالب ورغبته في الالتحاق بإحدى كليات القمة الحكومية، يرى زملائهم الأغنياء الذين تحصلوا على مجموع أقل منهم بـ20 درجة سيصبحون أطباء بعدما ضمنوا مقاعد بكلية الطب في إحدى الجامعات الحكومية أيضا ولكن تحت مسمى الأهلية.
وكانت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، قد كشفت عن نسب النجاح في امتحانات الثانوية العامة 2025، وذلك بعد اعتماد الوزير المزور محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم، للنتيجة رسميًا.
وبنظرة شاملة على نظام التعليم العالي في مصر، نجده يميل بمنحنى تصاعدي نحو الأغنياء فالدرجات الأربع أو الدرجة التي أخفق بها الطلاب الفقراء في الحصول عليها ضمن مجموعهم الكلي ليست هي الحائل أمام حلمه، بل تكمن المشكلة في كونهم غير قادر ماليًا على دفع رسوم الالتحاق بالجامعات الخاصة والأهلية.
مصروفات مرتفعة
وعلى المسار نفسه، تختلف المصروفات الدراسية بين الجامعات الحكومية وغير الحكومية، فلا تزيد رسوم الكليات الحكومية للسنة الدراسية عن مئات الجنيهات بينما تتجاوز مصروفات الخاصة والأهلية حاجز 100 ألف جنيه.
وأعلنت عدة جامعات خاصة رسوم الالتحاق بكلية الطب البشري، فحددت جامعة "6 أكتوبر" مصروفات العام الدراسي الجديد بنحو 180 ألف جنيه ، وارتفعت التكلفة في الجامعة الحديثة للعلوم والتكنولوجيا إلى 200 ألف جنيه ، في حين وصلت مصروفات جامعة حورس إلى 250 ألف جنيه.
في المقابل، طرحت الجامعات الأهلية أسعارا تنافسية لدراسة الطب مقارنة بنظيرتها الخاصة، ففي جامعة المنصورة بلغت المصروفات 130 ألف جينه ، بينما ينخفض المبلغ بجامعة بني سويف إلى 110 آلاف جنيه.
وتتفاوت الرسوم الدراسية بشكل كبير بين الجامعات الأهلية فيما بينها، فقد أعلنت جامعة النيل الأهلية تكلفة الالتحاق بكلية الهندسة حيث تصل إلى 145 ألف جنيه بينما تنخفض التكلفة إلى أقل من النصف في جامعة الزقازيق، فلا تزيد على 60 ألف جنيه.
بيزنس كبير
ووفق التصريحات الرسمية، ارتفع عدد الجامعات المصرية خلال العشر سنوات الماضية بنسبة زادت على 120%.
وبلغ عدد الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية 108 جامعات بينما لم يتجاوز العدد 49 جامعة عام 2014.
ويتوزع هذا العدد بين 27 جامعة حكومية و32 جامعة خاصة و20 جامعة أهلية و10 جامعات تكنولوجية و9 أفرع لجامعات أجنبية و6 جامعات باتفاقيات دولية وجامعتين باتفاقيات إطارية وجامعة بقوانين خاصة تُشرف عليها وزارة التعليم العالي.
ويمكن ملاحظة الاهتمام الحكومي بالتوسع في إنشاء الجامعات الأهلية على حساب الحكومية، فخلال 10 سنوات تم إنشاء 4 جامعات حكومية فقط، بينما تم تأسيس 16 جامعة أهلية.
ودافع المتحدث الرسمي لوزارة التعليم العالي عن التوجه نحو التعليم غير المجاني، معتبرا الجامعات الأهلية الجديدة رافدًا مهمًا من روافد التعليم العالي في البلاد.
وقال في وقت سابق إن هذا النوع من الجامعات ساهم في تخفيف الضغط المتزايد على الجامعات الحكومية، واستيعاب الزيادة على طلب الالتحاق بالتعليم الجامعي، مضيفا أنها جامعات لا تهدف لتحقيق الربح.
ووفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ عدد طلاب التعليم العالي المقيدين بالعام الدراسي الماضي في مصر نحو 3.7 ملايين طالب بنسبة نمو بلغت 5.7% عن العام الذي يسبقه.
وارتفع عدد الطلاب المقيدين بالجامعات الخاصة والأهلية لنحو 297 ألف طالب يمثلون 8% من إجمالي طلاب التعليم العالي العام الدراسية الماضي مقابل 229 ألف طالب في العام الدراسي (2021-2022) بنسبة زيادة 29.7%، فضلا عن 697.7 ألف طالب مقيدين بالمعاهد العليا والأكاديميات الخاصة، يمثلون 17.9% من إجمالي طلاب التعليم العالي.
التعليم للطبقات الغنية
وبينما تطمح الأسر الفقيرة إلى التحاق أبنائها بكليات القطاع الطبي والهندسي، التي تُعرف مجتمعيا بكليات "القمة"، إذ يضمن خريجوها الوظائف والاحترام المجتمعي، تزايد أعداد الكليات الأهلية مع تراجع ملحوظ باعداد الكليات الحكومية ما تسبب في حرمان عدد كبير من الطلبة الفقراء في ارتياد كليات القمة.
وتسبب زخم الإقبال على كليات القطاع الطبي والهندسي بالجامعات الخاصة والأهلية رغم ارتفاع أسعارها، اتجاه الدولة والمستثمرين لبناء جامعات جديدة وسط محاربة الكليات الحكومية الأخرى وإهمالها.
واتجهت الحكومة السنوات الأخيرة لمنافسة الجامعات الخاصة عبر تأسيس الجامعات الأهلية، موضحا انتهاج الإستراتيجية نفسها حيال التعليم ما قبل الجامعي، إذ أنشأت مدارس خاصة تحت إشراف إدارة المشروعات بوزارة التربية والتعليم.
وحذر خبراء من تنامي أمراض مجتمعية بسبب ما سماها "الطبقية التعليمية"، مثل الحقد الطبقي وفقدان الهوية، إلا أنهم عبروا عن غضبهم من فائدة لهذا النوع من التعليم الذي يدخل فيه البزنس إذ يستوعب أعدادًا كبيرة من الطلاب الغير متفوقين في ظل عجز الحكومة عن إنشاء جامعات مجانية تسع عدد كبير من الطلبة المتفوقة من خريجي الثانوية العامة.
انعدام تكافؤ الفرص
واعتبر الخبير بالمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية كمال مغيث منح الطالب الذي يملك الأموال الأفضلية للالتحاق بالجامعات الحكومية الأهلية على حساب الطالب الفقير انتهاكًا لمبدأ تكافؤ الفرص الذي من المفترض أن يبنى عليه أي مشروع تعليمي وطني.
وبيّن أن الحكومة وجدت في الطلاب الأغنياء والأجانب حلا لمواجهة الصعوبات المالية التي تعاني منها الجامعات الحكومية، إذ يدفعون مبالغ مالية كبيرة نظير الخدمة التعليمية من "دون مراعاة كون الطالب الغني يحتل المقعد التعليمي الخاص بالطالب المتفوق الفقير".
والمنطق الربحي في التعامل مع الطلاب بالجامعات الحكومية تُدار به الجامعات الخاصة، حسب رؤية مغيث، مشيرا إلى أن الجامعات غير الحكومية أخلّت بمبادئ المواطنة وتكافؤ الفرص والعدالة التربوية.
ورفض أستاذ أصول التربية إطلاق اسم "الجامعات الأهلية" على الكيانات التعليمية التي تم تأسيسها مؤخرا، قائلًا إن "أول جامعة مصرية أنشئت عام 1908 كانت جامعة أهلية وتبرع لتشييدها رموز بالحركة الوطنية ووجهاء وأمراء، أما ما تم تأسيسه مؤخرا، فعبارة عن كيانات هادفة للربح فقط وليست أهلية".