في 18 يوليو 2025، استقبل عبد الفتاح السيسي، قائد الانقلاب العسكري في مصر، أحمد أبو الغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، بمقر رئاسة الجمهورية في القاهرة، جاءت التصريحات العلنية التي أدلى بها الطرفان محمّلة برسائل دعم ظاهرية للعمل العربي المشترك، حيث قال السيسي: التزام مصر راسخ في دعم جامعة الدول، انطلاقًا من إيمانها العميق بدورها في تعزيز العمل العربي وتوحيد الصف العربي في مواجهة ما تمرّ به المنطقة من تحديات.
من جانبه، ثمّن أبو الغيط ما وصفه بـ«المواقف المصرية الحكيمة»، مؤكدًا أن مصر لطالما كانت ركيزة الأمن والاستقرار في المنطقة.
إلا أن هذه التصريحات قوبلت بالتشكيك من قطاعات واسعة من الشعوب العربية، وخاصة في ظل السياسات الفعلية التي تنتهجها القاهرة وجامعة الدول، والتي يُنظر إليها باعتبارها بعيدة عن آمال الشارع العربي، لا سيما في ملفات مثل القضية الفلسطينية، وأزمات اليمن والسودان وسوريا.
دعم ظاهري للقضايا العربية وتواطؤ فعلي في الكواليس
رغم الحديث المتكرر عن «وحدة الصف العربي»، تتناقض التصريحات مع الواقع السياسي الميداني، خصوصًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فخلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة (في مايو 2024، وأيضًا التصعيد المستمر منذ أكتوبر 2023)، التزمت الجامعة العربية ومصر بمواقف «بيانات الشجب»، دون أي تحرّك ملموس لحماية المدنيين.
ورغم ادعاء السيسي دعم «القضية الفلسطينية»، فإن مصر فرضت قيودًا شديدة على دخول المساعدات من معبر رفح، وسط اتهامات دولية ومحلية بالتواطؤ في حصار غزة، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 35 ألف فلسطيني، غالبيتهم من الأطفال والنساء، قُتلوا خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل، في ظل صمت رسمي عربي لافت.
مواقف أبو الغيط المستفزة والتطبيع المتزايد
لا يمكن قراءة تصريحات أبو الغيط الأخيرة دون العودة إلى سلسلة مواقفه السابقة، التي أثارت غضبًا واسعًا في الشارع العربي، ففي فبراير 2021، وفي مقابلة مع قناة "سكاي نيوز عربية"، امتدح أبو الغيط ما وصفه بـ«حكمة الحكومة الإسرائيلية» في إدارة علاقاتها الإقليمية، داعيًا العرب إلى «الواقعية».
كما أثار ظهوره إلى جانب وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة "تسيبي ليفني" في مناسبات دبلوماسية، انتقادات حادة، خاصة أنه لم يتوانَ عن وصف العلاقات العربية الإسرائيلية بأنها «جزء من المستقبل».
يُذكر أن أبو الغيط كان وزيرًا للخارجية في عهد حسني مبارك، وقد أُعيد تدويره بعد الثورة إلى منصبه الحالي كأمين عام للجامعة العربية عام 2016، ثم جُدد له لاحقًا، رغم معارضة واضحة من قوى سياسية ومجتمعية عربية.
الجامعة العربية.. مؤسسة مشلولة أم أداة للنظام الرسمي العربي؟
على مدى العقود الأخيرة، تحوّلت جامعة الدول العربية من مظلة مفترضة للعمل العربي المشترك إلى منصة شكلية للدول الحاكمة، مع غياب أي قدرة فعلية على وقف النزاعات أو دعم قضايا الشعوب، فحتى اللحظة، لم تتمكن الجامعة من تقديم أي مبادرة ناجحة لحل النزاعات في ليبيا، أو إعادة الإعمار في سوريا، أو مواجهة التحالفات الإقليمية المعادية للمصالح العربية.
الميزانية السنوية للجامعة العربية، التي تبلغ نحو 60 مليون دولار، معظمها تذهب لتكاليف تشغيلية ورواتب موظفين، دون وجود برامج ميدانية فعلية ذات تأثير حقيقي، ووفق تقارير متعددة، فإن مواقف الجامعة كثيرًا ما تُصاغ بناءً على توافقات بين العواصم الأكثر تأثيرًا، وعلى رأسها القاهرة والرياض وأبو ظبي.
رفض للتصريحات واستفزاز للشعور العام
عقب اللقاء، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات غاضبة، حيث وصف نشطاء عرب التصريحات بأنها «استفزاز للعقل الجمعي»، وسخر آخرون من لغة المجاملات التي اعتبروها غطاءً لمزيد من التآمر على الشعوب.
وتداول مغردون مقاطع من لقاءات سابقة لأبو الغيط، يُظهر فيها انحيازًا للأنظمة على حساب الشعوب، كما استُحضرت صور السيسي وهو يُغلق معبر رفح أو يطالب بـ«أمن إسرائيل»، كأمثلة على التناقض الفاضح بين الأقوال والأفعال.
مسافة شاسعة بين الخطاب والواقع
لقاء السيسي وأبو الغيط، بما حمله من تصريحات "رنانة"، يعكس بوضوح التباين الكبير بين الخطاب الرسمي العربي والواقع السياسي الفعلي، ففي الوقت الذي تُكرّر فيه الشعارات حول «وحدة الصف»، تزداد الانقسامات، وتُهمّش القضايا الشعبية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
ورغم تكرار الحديث عن «دور مصر الريادي»، فإن الوقائع تشير إلى انخراط النظام المصري في تحالفات تخدم مصالح قوى إقليمية ودولية أكثر من مصالح الشعوب، أما جامعة الدول العربية، فلا تزال تُعاني من العجز وفقدان الثقة، في وقت لم تعد فيه الشعوب العربية ترى في قيادتها سوى أداة بيد أنظمة تقمعها وتتنكر لتطلعاتها.