كشف مصدر مسؤول بوزارة المالية أن مديونية وزارة الكهرباء ارتفعت إلى 278 مليار جنيه حتى منتصف عام 2025، في مؤشر خطير على التدهور المالي الذي تواجهه قطاعات البنية التحتية الحيوية في مصر، خاصة في ظل أزمة الطاقة والغاز الطبيعي.
وأشار المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، إلى أن هذه المديونيات تشمل التزامات تجاه وزارة البترول مقابل توريد الغاز والوقود اللازمين لتشغيل المحطات، بالإضافة إلى مستحقات لبنوك وموردين خارجيين.
وتمثل هذه الأرقام ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بـ180 مليار جنيه في عام 2022، ما يعني زيادة تتجاوز 50% خلال أقل من ثلاث سنوات.
خطط حكومية لرفع الأسعار تدريجيا وإلغاء الدعم بحلول 2027
في ظل تصاعد هذه المديونية، أعلنت حكومة الانقلاب عزمها إلغاء الدعم بالكامل عن الكهرباء بحلول عام 2027، مع تنفيذ زيادات سنوية تدريجية في أسعار الشرائح، بحسب الخطة التي قدمتها وزارة الكهرباء إلى مجلس الوزراء في يونيو 2025.
وكانت حكومة الانقلاب قد طبقت بالفعل زيادة جديدة في يوليو الجاري، هي الثالثة خلال 12 شهرًا، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 15% في المتوسط، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة بين المواطنين خاصة من أصحاب الدخول المنخفضة.
وأكد وزير الكهرباء بحكومة الانقلاب الدكتور محمود عصمت في تصريحات رسمية أن هذه الخطوات "ضرورية لضمان استمرار الخدمة"، مشيرًا إلى أن تكلفة إنتاج الكيلووات الواحد ارتفعت إلى أكثر من 150 قرشًا في ظل أزمة الغاز وارتفاع تكاليف التشغيل.
أزمة الغاز والطاقة..
تشهد مصر منذ مطلع عام 2024 أزمة متكررة في إمدادات الغاز الطبيعي لمحطات الكهرباء، بعد انخفاض الإنتاج المحلي إلى أقل من 6.1 مليار قدم مكعب يوميًا، مقارنة بـ7.2 مليار قدم مكعب في 2022، بحسب تقرير حديث من الشركة القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس".
وبينما كانت مصر تعتمد سابقًا على تصدير الفائض من الغاز، فإنها الآن تضطر لاستيراد شحنات غاز مسال بأسعار مرتفعة من السوق العالمي، ما يفاقم الأعباء المالية على قطاع الكهرباء.
وقد اضطرت الحكومة إلى توقيع عقود قصيرة الأجل مع شركات طاقة أوروبية لتوفير شحنات خلال أشهر الصيف بتكلفة تصل إلى 12 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية، مقارنة بـ5 دولارات فقط في العقود القديمة.
أين البدائل؟ ولماذا لا تبحث الحكومة عن حلول خارج جيب المواطن؟
يتساءل خبراء ومواطنون عن سبب إصرار حكومة الانقلاب على تحميل المواطن عبء الأزمة بدلًا من تبني حلول جذرية، مثل الاستثمار الجاد في الطاقة الشمسية والمتجددة، أو إعادة هيكلة إدارة الموارد.
وأشار الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى شاهين في لقاء تلفزيوني إلى أن "الاعتماد المستمر على الجباية من المواطنين لن يحل الأزمة، بل سيؤدي إلى اتساع رقعة الفقر وتراجع الطلب المحلي، في وقت تحتاج فيه الدولة لتحفيز الاستهلاك والإنتاج".
وشدد شاهين على أن "الحكومة تمتلك بدائل، لكنها لا ترغب في المساس بالمكاسب التي تحققها شركات سيادية أو الأجهزة التي تدير قطاعات الطاقة من خلف الستار".
تصريحات رسمية تكشف تجاهل الأثر الاجتماعي
رغم الأثر الكبير لهذه السياسات على معيشة المواطنين، فإن حكومة الانقلاب تبدو ماضية في قراراتها دون خطة واضحة للحماية الاجتماعية، ففي تصريحات صحفية، قال رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي إن "تحقيق التوازن المالي في قطاع الكهرباء هو أولوية وطنية"، مشيرًا إلى أن "الدعم يشوه الاقتصاد".
غير أن هذه التصريحات قوبلت بانتقادات واسعة من منظمات حقوقية واقتصاديين اعتبروا أن "رفع الدعم دون تأمين شبكة أمان اجتماعي هو وصفة لتفجير الأوضاع"، خاصة في ظل أن أكثر من 29.7 % من السكان يعيشون تحت خط الفقر، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2024.
نظرة مستقبلية قاتمة للمواطن المصري
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن المواطن المصري يواجه مستقبلًا أكثر صعوبة، مع استمرار مسلسل رفع الأسعار، دون زيادات حقيقية في الأجور أو تحسين في جودة الخدمات.
وتشير توقعات خبراء إلى أن فاتورة الكهرباء قد ترتفع بما لا يقل عن 40 % إضافية خلال العامين المقبلين، إذا استمرت الحكومة في المسار الحالي.
ويتخوف كثيرون من أن يتحول قطاع الكهرباء من خدمة عامة إلى عبء خانق على كاهل الأسر المصرية، وسط غياب رؤية اقتصادية عادلة، ورفض حكومي واضح لأي مشاركة مجتمعية أو مساءلة حقيقية حول السياسات المعتمدة.